عام 1840 ضربت آيرلندا مجاعة هائلة أدت إلى وفاة مليون شخص، وهجرة مئات الآلاف طلباً للرزق. ونتيجة ذلك أصبح عدد الآيرلنديين خارج البلاد أكثر من عددهم داخلها. وكان طبيعياً أن يكون بين هؤلاء عدد من الشعراء والكتاب. أما ما لم يكن عادياً فهو تفوق الآيرلنديين في بريطانيا على كتابها وشعرائها: جورج برنارد شو، جيمس جويس، أوسكار وايلد، صامويل بيكيت، ييتس... إلخ.
جويس وبيكيت عاشا ونجحا في باريس. وفيها عانا من الفقر والتشرد. وفيها أصدر جويس «يوليسس» إحدى أشهر روايات القرن العشرين. وعندما قرأته فيرجينيا وولف قالت إن جويس يكتب «مثل مصاب بالغثيان لا يكف عن حك البثور التي تملأ جسده». وجرى في آيرلندا قول يردد «أن ليس في البلاد عمل وطني مثل الهجرة والمنفى».
والغريب في شهرة السادة الآيرلنديين أنها قامت على نقد البلاد ورفضها، خصوصاً في كتابات جويس الذي كان يقول عن نفسه إنه صاحب عقلية تشبه «عقل مساعد بقال». وبلغ نقده للشخصية الآيرلندية ذروته في كتابه «ناس من دبلن». وقد صدر الكتاب بالعربية أخيراً. وقدم له الناشر بالقول إنه من النصوص التي لا تترجم إلى العربية، ومع ذلك فقد أقدم عليها.
وأعتقد أن معظم أعمال جويس غير قابلة للترجمة إلى العربية. وقبل سنوات انتقدت ترجمة «يوليسس» لأنه يستحيل نقل مناخه إلى العربية، والأفضل عند الاضطرار هو تعريبه، وقد لا ينجح طبعاً. والسبب ليس في العربية بالتأكيد، إذ حتى في الفرنسية، التي هي الأقرب إلى الإنجليزية، يظل مناخ «يوليسس» غريباً أو عصياً. بل إن كثيرين من النقاد لا يزالون يعدونه غامضاً وغريباً حتى في لغته الإنجليزية. لم تلقَ مسرحية صمويل بيكيت «في انتظار غودو» النجاح العالمي الذي لقيته «يوليسس»، لكن أحد أسباب عالميتها أيضاً ذلك الجو الآيرلندي العابق بالغموض والمرارة واليأس.
يتراءى لي آن الآيرلنديين نقلوا معهم تأثير المجاعة الكبرى، مثلما فعل اللبنانيون بعد مجاعتهم الكبرى عام 1914، وكتبوا بلغتهم في هجرة مصر، وفي لغة سواهم في الأميركتين، الجنوبية والشمالية.