Advertise here

بعد 200 يوم على الحرب.. أوكرانيا وروسيا أمام مرحلة جديدة

16 أيلول 2022 16:57:52 - آخر تحديث: 16 أيلول 2022 17:36:52

بعد مرور 200 يوم على الغزو الروسي، تتجه أوكرانيا لامتلاك زمام المبادرة في تحول جريء ونوعي تمكّنت خلاله القوات الأوكرانية من استهداف مجموعة كبيرة من المواقع العسكرية الروسية في الجنوب والشرق، ما دفع الجيش الروسي للتخلي المفاجئ عن مواقعه، والفرار من الخطوط الرئيسية لجبهات القتال تاركاً خلفه الكثير من العتاد والأسلحة. هذا التحوّل هو الأكثر أهمية في القتال منذ آذار الماضي حيث طردت القوات الأوكرانية الجيش الروسي من كييف ومحيطها، قبل أن ترجَّح كفة القتال لمصلحة موسكو على مدى الأشهر الماضية.

القائد العام للجيش الأوكراني، فاليري زالوجني، أوضح "أنّ القوات الأوكرانية تقدمت إلى الشمال من خاركيف في نطاق 50 كيلومتراً من الحدود مع روسيا، كما تتقدم أيضاً صوب الجنوب والشرق في ذات المنطقة"، مشدّداً على أنّ "أوكرانيا تواصل تحرير أراضٍ احتلتها روسيا".

وقد أشاد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بالتقدم السريع لقواته في إقليم خاركيف شمال شرق، باعتباره إنجازاً محتملاً في الحرب المستمرة منذ ستة أشهر، معتبراً أنّ هذا الشتاء قد يشهد المزيد من المكاسب السريعة للأراضي، إذا تمكّن من الحصول على أسلحة أقوى.

وفي تعميمٍ بشأن الوضع الميداني في ذكرى مرور 200 يوم على بدء الغزو الروسي، أفاد الجيش الأوكراني بأنّه "دخل كوبيانسك، ورفع العلم فوق تشاكالوفا"، مبيّناً أنّ "تحرير المستوطنات جارٍ في منطقتي كوبيانسك وإيزيوم التابعتين لمنطقة خاركيف، واستعاد 30 قرية وبلدة على الأقل فيها".

مراقبون ومحلًلون عسكريون، اعتبروا السقوط السريع للجيش الروسي في مدينة "إيزيوم" قرب خاركيف بأنّه أسوأ تراجع لموسكو منذ أن أُجبرت قواتها على العودة من العاصمة كييف، وقد يكون هذا بمثابة نقطة تحوّل حاسمة في الحرب المستمرة منذ أكثر من 200 يوم. وأعاد المحلّلون سبب السقوط الروسي السريع إلى أربع نقاط:

* الأولى: الإرادة، والقوة، والتفاني، والروح المعنوية للجنود والقيادة الأوكرانية، مما يمنحهم ميزة فردية.

* الثانية: التخطيط والتنفيذ المتفوقان، بما في ذلك واحدة من أعظم عمليات الخداع العسكرية بدعم من المخابرات الغربية ودعم التنفيذ.

* الثالثة: الدعم العسكري واللوجِستي، وتفوّق المدفعية، وخاصة قاذفات هيمارس الأميركية التي مكّنت أوكرانيا من تدمير مواقع المدفعية والذخيرة الروسية من مسافة بعيدة، وتركيز الدمار على ساحة المعركة لتمكين الاختراقات السريعة.

* الرابعة: القيادة الروسية التي لم تتمتع بكفاءة في إدارة الحرب مؤخراً، وعدم القدرة على تنفيذ تكتيكات متماسكة على مستوى واحد، إضافةً إلى أنّ الجيش الروسي بكل ما يملك من إمكانات اضطر لشراء طائرات مسيّرة من إيران، وبعض الذخائر والأسلحة التقليدية من كوريا الشمالية، ولم يستطِع إنتاج رقائق إلكترونية لتوجيه الأسلحة، ما اضطرها لشرائها من الخارج بأسعار مرتفعة جداَ.

يرى آخرون "أنّ تحسين التدريب ودمج المدنيين مع مرور الوقت، والمساعدة الاستخباراتية الأميركية، وانخفاض الروح المعنوية للجيش الروسي، كانت أيضاً من العوامل التي ساعدت القوات الأوكرانية على استعادة حيويتها"، وأنّه يتوجّب على كييف الاستمرار في اتّخاذ إجراءات حاسمة لإبقاء روسيا "في غفوة"، والسعي لاستعادة المناطق الأخرى، ومعرفة "ما إذا كان بإمكانها إجبار الجيش الروسي على التراجع أكثر، وإجبار روسيا على اتّخاذ قرار الانسحاب، أو القبول بالتفاوض"، وهذا ما ترفضه موسكو وفق ما أشار بيان وزارة الدفاع الروسية، التي قالت إنّها "ستعيد توجيه جهود قواتها في اتّجاه دونيتسك، عبر عمليات التحويل والانتشار واستعادة أنشطتها كقوة فاعلة". لكن حدة العراقيل التي تعاني منها معظم وحدات الجيش الروسي والنقص في عدد الجنود، وخسارة عدد كبير من المعدات العسكرية، والحالة المعنوية السلبية للجنود، سوف تعيق تلك العملية، ما يعني أنّ الحرب الروسية - الأوكرانية سوف تستمر.

استمرار الحرب الأوكرانية يرتبط برأي عددٍ كبير من المحلّلين، بقضايا اقتصادية واستراتيجية أميركية، والتي تبرّر فتح أبوب خزائن الولايات المتحدة بقدراتها كافة، لتمويل تلك الحرب وإرهاق روسيا من جهة، ورفع حصة واشنطن في سوق السلاح الدولي وتعزيز مبيعاتها من جهة أخرى، وفق ما أشار إليه إعلان البنتاغون، الذي طالب الكونغرس بتسهيل إقرار القوانين التي تسهّل سرعة البيع وتخفيف الشروط التي تعيق ذلك وتجاوز البيروقراطية المتبعة، فضلاً عن الإصرار الأوروبي على مواجهة الابتزاز الذي مارسته روسيا في استخدامها مسألة الغاز والطاقة ضدها.

لا شكّ أنّ موقف الاتحاد الأوروبي بعد عملية التصويت على مسألة قطع إمداد الغاز الروسي التي اعترضت عليها ثلاث دول في شرق أوروبا، أصبح أكثر قوة داخلياً، وأكثر قدرة على تدبير أموره، وانتقل من خانة الإرباك ورد الفعل والبحث عن حلول، إلى خانة وضع الخطط المباشرة لإنتاج حلول على اعتبار أنّ الحرب على أوكرانيا حرب طويلة لن تنتهي قريباَ، وتستلزم إعادة تصميم وبناء وترتيب البيت الأوروبي مهما تكن الضرائب المالية والسياسية مكلفة، ما يعني أن سياسات الاتحاد الأوروبي أصبحت أكثر ثقة وتناغماً وانسجاماً مع سياسات واشنطن، ولندن، وكانبيرا، وأوتاوا، وبالتالي يمكن القول: "إنّ الحرب الأوكرانية، وخلال الأشهر الستة الماضية إعادت ترتيب أجندة القوى الدولية الرئيسية المتناغمة والمنضبطة على الإيقاع الأميركي".

لقد شهدت الساحة الداخلية الروسية في الأسابيع الأخيرة زعزعة إعلامية، وارتفاع الأصوات المطالبة بوقف الحرب، والمشكّكة بقدرة الجيش الروسي على الانتصار بعدما أثار تصريح عضو في البرلمان الروسي بوريس ناديجدين أنّ، "موسكو لا تستطيع، في ظل الظروف الحالية الفوز بهذه الحرب"، ما فتح الباب أمام إعلاء صوت المواقف المشكّكة بصدقية الرواية الرسمية حول الحرب في أوكرانيا، حيث بدأ مشرّعون ومحلّلون روس "يشكّكون" في آفاق مستقبل موسكو في هذه الحرب. وحثَّ البعض الكرملين على بدء مفاوضات السلام، فيما طالب آخرون بمضاعفة عديد القوات واستمرار العملية العسكرية، وفق ما قال ألكسندر كازاكوف، عضو مجلس (الدوما): "لقد تلقينا ضربة نفسية خطيرة للغاية. يجب علينا تدمير البنية التحتية التي تُستخدَم لأغراض عسكرية ضدنا". 

تباين وجهات النظر على شبكات التلفزيون الحكومية الخاضعة لسيطرة مشددة، وتسليط الضوء على التحوّل السريع في رواية موسكو من الاقتناع بإخضاع أوكرانيا، إلى شعور بالذعر من التقدّم السريع لقوات كييف، يتناقض هذا مع الاستجابة الصامتة التي رافقت فشل محاولة السيطرة على العاصمة كييف في الربيع الماضي، حيث كان الهجوم الروسي في بداياته، وهذا ما أشار إليه عالم السياسة، فيتالي تريتياكوف، بتحذيره من أنَ التوقعات غير المحققة في الحرب قد تؤدي إلى اضطراب اجتماعي إذا أدرك الروس أنَّ بلادهم تخسر، وأضاف "يمكن أن تظهر توترات اجتماعية، ليس لأنَّ السكان سيندّدون بالعملية، لكن لأنّهم قد يتساءلون لماذا هي خاملة، ولماذا لا نحقّق نصراً ولا تقدّماً؟"