هل يكون التفلّت الأمني المتعدد المواقع والأسباب، والذي شهده لبنان في الأيام القليلة الماضية، قد حصل صدفة؟ أم أن هناك من يحاول تذكية مثل هذه التوترات لتوسيع حالة الانهيار وشمولها الجوانب الأمنية، لأهداف سياسية لاحقة وبعيدة المدى؟
الضغط على اللاجئين
لا حاجة للدخول في السجال حول نظرية المؤامرة، لأن واقع الانهيار اللبناني ربطاً بالانقسام السياسي وبتداخل أجهزة متعددة داخلية وخارجية، يمكنه أن يؤدي إلى انفجارات متتالية. وقد شهدنا فصوله في الأحداث الأمنية من الشمال إلى الجنوب مروراً بالبقاع. وهذه أحداث قابلة للتطور أكثر، فيما ثمة من يسارع إلى العزف على تحميل تنظيمات إرهابية المسؤولية، كما حصل في طرابلس، علماً أن أحد المهاجمين ينتمي إلى الطائفة العلوية أيضاً كما أن أحد القتلى من الطائفة نفسها.
منذ فترة وتتسارع وتيرة الأخبار الأمنية في لبنان، مع كلام يشير إلى استعادة تنظيم داعش أو تنظيمات متطرفة أخرى لنشاطها على الساحة اللبنانية. وغالباً ما ارتبط نشاط مثل هذه التنظيمات في لبنان بأهداف سياسية، وعلى وقع أحداث وتطورات داخلية وخارجية وعند استحقاقات سياسية بارزة. لهذه الأخبار الأمنية بالإضافة إلى المداهمات التي تجريها الأجهزة الأمنية، ارتباط أيضاً بحجم الضغط الكبير الذي يمارسه لبنان في ملف اللاجئين السوريين، والعمل على إعادتهم، وممارسة أقصى أنواع الضغوط عليهم لدفعهم إلى مغادرة لبنان. فهذا السبيل اللبناني الوحيد لشد العصب في الداخل، ولجذب الاهتمام الخارجي والحصول على مساعدات، في ضوء فقدان الأمل من توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. ولا تنفصل كل هذه الأحداث الأمنية عن الحاجة لاستكمال مسار الانهيار في كل القطاعات، للدفع باللبنانيين إلى الذهاب قسراً نحو طاولة حوار موسعة، للبحث في الصيغة السياسية وتركيبة النظام، وسط استعدادات داخلية وخارجية لمثل هذا السيناريو.
"الصيغة" وسلاح الحزب
هناك قناعة لبنانية تعتبر أنه لا يمكن الخروج من الأزمة من دون الوصول إلى صيغة يتفاهم عليها اللبنانيون برعاية دولية. ولا بد لهكذا صيغة أن تطال جوهر النظام وإعادة تشكيل موازين القوى في الداخل بما يتلاءم مع الوضع الخارجي. ومثل هذه الأمور لا يمكن أن تحصل في بلد كلبنان من دون تدهور الأوضاع الأمنية. إذ لا بد من "حماوة" تفرض على الجميع الجلوس على الطاولة. في المقابل، ثمة وجهة نظر أخرى لا تبدو مقتنعة بهذا الأمر لمجموعة أسباب. أولاً، أن الانهيار الشامل لا يبقى محصوراً في لبنان، وسيكون له تداعيات على المنطقة. ثانياً، إذا كانت المشكلة في لبنان هي حزب الله، فإن حل أزمة الحزب وسلاحه لن يكون لبنانياً إنما خارجياً، ونتيجة أي اتفاق خارجي يمكن لها أن تنسحب على الداخل. بناء عليه، يعتبر هؤلاء أنه بالإمكان البحث في تمرير الاستحقاق الرئاسي كما تم تمرير الانتخابات النيابية. وهنا ثمة من يعتبر أن الأميركيين والفرنسيين لا يؤيدون نظرية الانهيار الشامل.
اللقاء الفرنسي-السعودي
جزء من هذه النقاشات كان حاضراً الأسبوع الفائت في اللقاء الفرنسي السعودي، الذي عقد في العاصمة الفرنسية باريس. في اللقاء شدد الفرنسيون على ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده، بغض النظر عن شخصية الرئيس الذي سينتخب. هذا أمر لم يوافق عليه السعوديون، الذين اعتبروا أن المسألة ترتبط بشخصية الرئيس ومقوماته وقدراته على العمل مع المجتمع الدولي. وبالتالي، لا يوافق السعوديون على انتخاب أي رئيس، بل لا بد من البحث عن اسم قادر على إنتاج برنامج واضح. وقد شدد السعوديون على ضرورة الاتفاق بشكل متلازم على رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة، لتشكيل فريق عمل قادر على وضع خطة إنقاذية، مع التشديد على عدم انتخاب رئيس من قوى الثامن من آذار، أو محسوب على حزب الله. في اللقاء أيضاً، كان هناك عدم موافقة سعودية على مقاربة الفرنسيين للعلاقة مع حزب الله. وأيضاً، يوجد عدم موافقة فرنسية على المقاربة السعودية. فيما هناك من يشير إلى أن الموقف الاميركي أقرب نسبياً إلى الموقف السعودي.