لو كان بمقدور اللبنانيين تمويل حاجتهم من أنظمة الطاقة الشمسية، لرأينا لبنان من الجو كتلة زجاجية. فانهيار مؤسسة الكهرباء، والإستعصاء عن تسديد فواتير المولّدات الخاصة، جعلا من الطاقة البديلة على المستوى الفردي حلاً إلزامياً. الأقلية من المواطنين والمؤسسات تمكّنت من شراء الأنظمة الشمسية البيئية وتركيبها، سواء أكان بشكل منظم أم عشوائي، فيما الأكثرية تقف عاجزة أمام ارتفاع الكلفة والعجز عن تأمين مصادر التمويل.
صحيح أنّ دولاً مختلفة وضعت خططاً طموحة لتخفيف الإعتماد تدريجياً على مصادر الوقود الاحفوري والوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول العام 2050، إلا أنّ أيّاً منها لم يغرق بالفوضى كما يحصل في لبنان. فالفورة الحاصلة على مستوى تركيب أنظمة الطاقة الشمسية محلياً، لم تكن نتيجة ارتفاع حسّ المسؤولية البيئية، إنما نظراً إلى الحاجة الملحّة للكهرباء. وإذا كان «من يحتاج إلى النار يلتقطها بيده»، فإنّ كثراً تنازلوا عن الشروط والمواصفات التقنية في تركيب هذه الأنظمة، ومستوى مراعاتها السلامة العامة، حتى لو حرقتهم في ما بعد. و»ما زاد الطين بلة»، عدم مرافقة الدولة هذه الفورة بتشريعات وتنظيمات تعمّق الاستفادة منها. وذلك على غرار إقرار قانون الطاقة الموزّعة، والسماح بإنتاج وبيع الطاقة، والتوسّع بتركيب العدّادات الذكية، واستقطاب الشركات الإستثمارية لتكبير الإنتاج وتخفيض الكلفة، وتعزيز الاستفادة المجتمعية من هذه الظاهرة المستجدّة والحيوية والمطلوبة في آن معاً.
الإصلاحات أولاً
إذا كانت البنية الفوقية التنظيمية لقطاع الطاقة مسؤولية الدولة بوزاراتها المعنية وإداراتها اللامركزية وأجهزتها الرقابية، فإن همّ المواطنين يتركّز على تأمين كلفة تركيب النظام على الطاقة الشمسية. وهذا الهمّ الكبير ما زال ملقى على عاتقهم بعيداً عن المساعدات ومصادر التمويل. فـ»المؤسسات الدولية لن تموّل مشاريع القطاعين العام والخاص على حد سواء ولا مشاريع الشراكة في ما بينهما، إلا في حال التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي»، بحسب ما تؤكد المتخصّصة في مشاريع تمويل الطاقة كارول عياط. «لأنها بذلك تضمن الاستقرار الماكرو – اقتصادي، وتحمي نفسها من تقلّبات سعر الصرف، وبقية المشاكل النقدية والمالية». وعليه، فإن التوسّع بتركيب أنظمة الطاقة الشمسية يعتمد أولاً على الإصلاحات الإقتصادية العامة. وفي حال تحقّقها فإنّ «التمويل موجود، وبوفرة»، تؤكد عياط.
الجدوى المالية المرتفعة
رغم الصعوبات والأزمة الاقتصادية وانهيار القيمة الشرائية للعملة الوطنية، تمكن اللبنانيّون بتمويل فردي خاص من تركيب أنظمة طاقة شمسية بقدرة 450 ميغاواط، 250 ميغا منها متوقع تركيبها لغاية نهاية العام الحالي، و100 ميغا جرى تركيبها في العام الماضي. ما يعني 350 ميغاواط خلال عامين فقط وبكلفة وصلت إلى 300 مليون دولار. وهو أمر إن دلّ على شيء فـ»يدلّ على الجدوى المالية الكبيرة من تركيب هذه الأنظمة»، بحسب عياط. «فهذه المشاريع تردّ تكلفتها في غضون عامين أو ثلاثة في ظل ارتفاع تكلفة إنتاج الكهرباء من المولدات الخاصة، وتجنب الأفراد والشركات مخاطر تقطّع التغذية وعدم استدامة العمل على المولّدات، وبالتالي صعوبة تحقيق الأمن الطاقوي المستمرّ خصوصاً بالنسبة للمؤسّسات الإنتاجية».
الطلب على القروض كبير
مدير عام مصرف الإسكان أنطوان حبيب يلاحظ على أرض الواقع بحث المواطنين الحثيث عن طرق تمويل مشاريع الطاقة. فـ»أغلبية زوّار موقع المصرف الذي بلغ عددهم 176 ألف شخص كانت مهتمة بصورة أساسية بقروض الطاقة الشمسية». وقد فاقت طلبات القروض على هذه المشاريع مثيلاتها على شراء المسكن والترميم. وقد انقسمت تقريباً بين 50 في المئة طلبات على الطاقة الشمسية و50 في المئة على قروض الشراء والترميم. وهو ما يؤشّر بحسب حبيب «على الحاجة الماسة إلى الكهرباء في ظل انقطاعها شبه الدائم وارتفاع كلفة اشتراكات المولّدات الخاصة». وعلى الرغم من توفر التمويل من أموال المصرف الخاصة، وقروض قديمة من الصندوق العربي تعود إلى العامين 2002 و2013، فإن المواطنين يواجهون صعوبة في استكمال ملفّاتهم بسبب إضراب موظفي القطاع العام. ولا سيما أن الطلبات يجب أن تتضمّن إفادة عقارية، ورخصة سكن، وإفادة إرتفاق وتخطيط، وإفادة نفي ملكية، وإخراج قيد إفرادي، وسجلاً عدلياً، وإفادة راتب من الضمان... وغيرها من المستندات التي يتعذر تأمين أغلبيتها بسبب الإضراب». وبحسب حبيب فإن «تحسين رواتب القطاع العام يساعد أيضاً شريحة كبيرة من اللبنانيين على التقدّم بطلبات الحصول على قروض الطاقة الشمسية». ولا سيما مع بقاء أساس رواتب الموظفين متدنّياً جداً بالمقارنة مع تكلفة شراء هذه الأنظمة التي تحتسب بالدولار. حبيب الذي شدّد على أهمية هذه القروض بالنسبة إلى المواطنين وتأمل زيادتها أكثر مع وصول قرض صندوق التنمية الكويتي بقيمة 50 مليون دينار كويتي، قال إن «تقديم الطلبات سيتوقف في 30 أيلول الجاري إفساحاً في المجال أمام درس الطلبات والبتّ بها».
الخطوات الواجب اتخاذها سريعاً
أمام هذا الواقع الذي ينذر بزيادة هائلة في مشاريع الطاقة المتجدّدة قد تصل إلى 30 في المئة من مجمل الحاجة للطاقة في العام 2030، وبقيمة 9 مليارات دولار، وفي ظلّ تعمّق الإعتماد على التمويل الشخصي لهذه المشاريع أطلق «معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية»، بالتعاون مع «معهد حوكمة الموارد الطبيعية»، مؤتمر «مطاردة الشمس» chasing the sun. وقد سلّط المؤتمر الضوء على مدى يومين على تحدّيات تمويل المشاريع والمبادرات البلدية. وقد وزّع الخطوات الواجب اتّخاذها سريعاً على 3 محاور:
محور قانوني:
- حيث لا يزال من الممكن للوزارات والمؤسّسات المعنية تنظيم الفورة الحاصلة حالياً في الطلب على أنظمة الطاقة الشمسية من خلال مراقبة نوعية المعدّات المستوردة، ووجهتها كما وتأهيل الشركات العاملة في المجال من أجل ضمان أفضل المعايير.
- إستكمال الإطار التشريعي المختص بالطاقة المتجدّدة وذلك من خلال إقرار المجلس النيابي قانون الطاقة المتجدّدة الموزعة كما وقانون حفظ الطاقة سريعاً وبدون تعديلات جوهرية.
- إعتماد مخطط وطني لإعادة تدوير البطاريات وتدريب الأفراد ومقدمي الخدمات من القطاع الخاص على تطبيقه.
محور مالي:
- إستعادة الثقة والإستقرار المالي والاقتصادي للدولة من خلال تنفيذ الإصلاحات اللازمة لجذب التمويل لمشاريع الطاقة المتجددة.
- إنشاء آلية تمويل أكثر استدامة لمشاريع الطاقة المتجدّدة بدعم من الجهات المانحة ومؤسسات التمويل الدولية.
- تعيين هيئة ناظمة ومستقلة لقطاع الكهرباء لتنظيم عملية ترخيص مشاريع الطاقة المتجدّدة في المستقبل والإشراف عليها، بما يتماشى مع رؤية واستراتيجية وزارة الطاقة والمياه.
- إعادة بناء القدرات في مؤسّسة كهرباء لبنان ودعم استقلاليتها ودورها المحوري كونها العمود الفقري لسوق الطاقة المتجدّدة في المستقبل.
محور فردي:
- إستشارة الأفراد العديد من مقدمي خدمات الطاقة الشمسية المعروفين قبل تثبيت النظام والتأكد من جودة المعدّات المثبتة.
- الإلتزام بالإرشادات الصادرة عن الوزارات والمؤسسات المعنية في ما يتعلق بالهياكل الحديدية المثبتة لأنظمة الطاقة الشمسية.
- تحديد الاستخدام النهائي لنظام الطاقة الشمسية قبل التركيب من أجل ضمان الحجم والقدرة المناسبين.
تطبيق الشروط القانونية والفنيّة الصحيحة يشكل مدخلاً مبكراً لعدم وقوع هذا القطاع الحيوي في الفوضى المطلقة ويضمن حسن تطوّره مستقبلاً.