البنزين بالدولار: اكتمال حلقة التضخم الجهنّمية؟

08 أيلول 2022 07:24:43

في نهاية تموز الماضي بدأ مصرف لبنان بالتخلّي التدريجي عن تمويل استيراد البنزين وفق سعر منصة «صيرفة». فبعدما كانت الصفيحة مسعّرة بنسبة 100% وفق سعر المنصّة، بدأت وزارة الطاقة، نزولاً عند قرار رياض سلامة، بإصدار جداول أسعار أسبوعية تحتسب فيها تسعيرة المشتقات النفطية وفق معادلات تسعير فرضها «المركزي» منفرداً تتضمن خفض نسبة الدولارات المؤمنة من «صيرفة» بمعدل 15% أسبوعياً. ويوم الاثنين الماضي صار المستوردون يشترون من السوق الحرّة 80% من الدولارات اللازمة لاستيراد المازوت. هكذا اندفع سعر الصرف ليرتفع إلى 35 ألف ليرة. وبنهاية الأسبوع المقبل، ستتحرر صيرفة بالكامل من أعباء تمويل البنزين، وسيبلغ سعر صفيحة البنزين 21 دولاراً نقداً، إذا احتسب سعرها على أساس الأسعار العالمية الرائجة اليوم، والأكلاف الثابتة بالليرة ضمن جدول الأسعار.

بنتيجة هذا الأمر، سيتغيّر تسعير مبيع صفيحة البنزين تبعاً لتقلّبات سعر الصرف في السوق الحرّة، والأسعار العالمية. وربما يتأثّر أيضاً بتقلّبات متّصلة بتغيّر الجعالات المحليّة لشركات التوزيع وأصحاب المحطات. تضع وزارة الطاقة هذه الخطوة في حساباتها، ووفق المديرة العامة للنفط في الوزارة، أورور فغالي، فما إن يعلن «المركزي» إيقاف التمويل عبر «صيرفة» سيصار إلى «إصدار جدولين للبنزين أسبوعياً، أسوةً بالمازوت والغاز»، كما لا تستبعد فغالي «إصدار جدولين، يومياً، لأسعار البنزين، في حال تقلّب سعر دولار السوق بهامش يتخطّى الـ500 ليرة، أو تغيّرت الأسعار العالمية للنفط بمعدلات معينة».

هي ليست المرّة الأولى التي يعتمد فيها سلامة نهج التحرير التدريجي لأسعار السلع المستوردة، ففي أيلول من العام الماضي حرر «صيرفة» من أعباء تمويل المازوت، وفرض على «الطاقة» إصدار التسعيرة مرتين في الأسبوع بالليرة اللبنانية وفق سعر السوق الحرة.
عملياً، ازداد طلب التجار والمستوردين على دولار السوق بالتوازي مع خفض التمويل تدريجياً، ما يعني أن سلامة أعاد توجيه الطلب على الدولار من «صيرفة» إلى السوق بقيمة تقدّر بنحو 200 مليون دولار شهرياً. وبذلك ساهم بتحفيز ارتفاع أسعار الدولار، التي «سنشهد صعوداً إضافياً فيها الأسبوع المقبل مع زيادة حجم الطلب على الدولار بالتزامن مع وقف صيرفة نهائياً» بحسب النقيب السابق لخبراء المحاسبة أمين صالح.
ويشير صالح إلى أن هذا المسار ينطوي على تضخّمين؛ الأول في أسعار الدولار، والثاني في أسعار المحروقات حكماً طالما أنها ستحتسب على الدولار. أبعد من ذلك «ارتفاع أسعار المحروقات سينعكس على الدورة الاقتصادية، لارتباط المادة الحيوية بالمواصلات، ونقل البضائع والإنتاج الصناعي... وكافة القطاعات الاقتصادية التي ستصيبها آثار التضخم مع ارتفاع مؤشّرات كافة الأسعار». إضافة إلى ذلك «تتراجع القوة الشرائية للمداخيل، واستحواذ إنفاق الأسر على المحروقات على الحصة الأكبر من الرواتب، وذلك على حساب الغذاء والسكن والتعليم...». يختصرها صالح بـ«حلقة التضخم الجهنمية»، مستخلصاً أن «إنهاء دعم البنزين سيشكّل واحداً من العوامل المؤدية إلى انكماش وركود الاقتصاد نظراً لحيوية المادة».

الاستقرار في توافر مادة البنزين بعد تسعيرها سنداً لدولار السوق، ليس حتمياً. فالأمر مرتبط بمدى توافر الدولارات في السوق، ومدى التسارع في ارتفاع سعر الصرف. لكن، إلى جانب ما يمكن أن يحصل، هناك أزمة جديدة تتصاعد مع تآكل جعالات أصحاب المحطات. هؤلاء سيدفعون كامل سعر البنزين على سعر دولار السوق الحرّة الآخذ بالارتفاع، في حين أن المحطات تحصل من كل صفيحة على ما يعادل 5% من سعرها، وفق فغالي. قسم من أصحاب المحطات المملوكة من أفراد، أو شركات صغيرة غير مستوردة للنفط، يهددون بإقفال أبوابهم إذا لم تعدّل وزارة الطاقة قيمة الجعالة، وهو الأمر الذي يشكل مدار بحث ونقاش بين الطرفين، تجنباً لقرار وقف البيع، وعودة الطوابير.