بين التسوية والفراغ!

06 أيلول 2022 09:48:43

المعادلات السياسيّة والتوازنات القائمة في القائمة المجلس النيابي الجديد واضحة ولا تحتمل الكثير من التحليل والتفسير والتأويل. تأليف الحكومة الجديدة دونه عقبات أبرزها الشهوات المفتوحة للعهد وصهر العهد (حتى الأسابيع الأخيرة والرمق السياسي الأخير) لتشكيل حكومة مطواعة يمتلك فيها الثلث المعطل تتولى الفراغ الرئاسي المحتوم بالنسبة لهؤلاء ودائماً على قاعدة: “أنا أو لا أحد”!

وإذا كان وضع العثرات في طريق تأليف الحكومة هو سياسة بعض الأطراف، فمن الواضح أن سياسة “رفع المواصفات الرئاسيّة” هي سياسة الأطراف المقابلة التي تسعى لتحقيق مكتسبات صعبة المنال من بوابة الاستحقاق إياه.

ليس المطلوب، بطبيعة الحال، “خفض” المواصفات الرئاسيّة ذلك أنه أيّاً كانت الشخصيّة التي سوف تتبوأ هذا المنصب يجب أن تحظى بإجماع اللبنانيين وإحترامهم، وأن تكون قد خاضت تجارب مشرّفة في النزاهة والاستقامة والخبرة. ليس المطلوب طبعاً إختيار شخصيّة باهتة لا لون ولا طعم لها أو أن تكون مغمورة ومنسيّة.

لكن ليس المطلوب أيضاً رفع سقوف المواصفات إلى درجة يجعل التركيز على شخصيّات تمثّل تحديّاً لشرائح لبنانيّة معيّنة بما يجعل إنتخابها، إذا حصل أساساً، يعرّض البلاد لأزمات متلاحقة تبدأ بشل عمل المؤسسات ولا تنتهي في إفراغ العهد من مضمونه كاملاً بما يفوّت الفرصة على اللبنانيين.

من قال أن التسويات السياسيّة ترتكز إلى الهزائم حقاً؟ الهزيمة السياسيّة النكراء التي سوف تصيب اللبنانيين تتمثّل بتجاوز المهل الدستوريّة لإنتخاب الرئيس وإدخال البلاد في الفراغ وتقديم الفرصة للعهد للقيام بخطوات إستنسابيّة، غير دستوريّة حتماً، مثل عدم مغادرة الرئيس للقصر أو تأليف حكومة أمر واقع أو أي خطوة أخرى ممكن أن تتفق عليها عبقريّة “جهابذة” الدستور الذين يسكنون في القصر الرئاسي وهم على أهبة الإستعداد لصياغة “فتاوى” لا علاقة لها بنصوص الدستور أو روحيته.

إن بناء مناخات وطنيّة ملائمة لولوج تسوية رئاسيّة (مناقضة تماماً لتسوية 2016 التي أتت بعد وطأة فراغ دام عامين ونصف تقريباً) يساعد على إجتياز سلس للاستحقاق الرئاسي بعيداً عن خطابات الشعبويّة التي تحاول إستنساخ تجارب رئاسيّة لم تكن تتلاءم مع طبيعة التركيبة اللبنانيّة لأن مفاهيمها الأساسيّة كانت صداميّة بالمطلق وأدّت إلى ما أدّت إليه من نتائج سلبيّة على مسار الأحداث.

لا تعني الدعوة إلى التسوية الرئاسيّة الموافقة على إنتخاب شخصيّة من فريق الثامن من آذار، بل إلى الانفتاح على إختيار شخصيّة وطنيّة تشكّل نقطة تقاطع على الصعيد المحلي وتحظى بالثقة على الصعيد الخارجي. ليس هذا مستحيلاً. إنه الخيار الأكثر عقلانيّة في لحظة الانهيارات والانكسارات المتلاحقة.