العنف، هو القول الشديد، والفعل الشديد، والرأي الشديد. هو انتزاع الرفق من الأمور والاقوال والافعال والأحوال، وإظهار الشدة والقسوة فيها، وهو تصرف يؤدي إلى الأذى ويهدف إليه، وقد يكون الأذى نتيجة تعنيف نفسي، جسدي، أو لفظي.
سنتطرق في هذا المقال ، إلى نوع من أنواع العنف، وهو العنف ضد الأطفال.
تناولت الأمم المتحدة في اتفاقية حقوق الطفل ، في إحدى موادها، موضوع العنف ضد الأطفال، وعرّفته بالشكل التالي: « أيّ شكلٍ من أشكال العنف أو الأذى الجسديّ، أو النفسيّ، أو الإهمال بأشكاله، وسوء المعاملة، أو أيّ نوع من الاستغلال، كالإساءات الجنسية،» فيما عرفته منظمة الصحة العالمية بأنه» أي استعمال للقوة الجسدية عن سبق إصرار ضد الأطفال، بالتهديد أو بالفعل من قِبَل فردٍ أو مجموعة من الأفراد، والتي تؤدي بدورها إلى ضرر بصحة الطفل، أو التأثير في تطوره النمائي، أو تهديد حياته في بعض الأحيان».
تتعدد الأماكن والجهات التي قد يتعرض الطفل من خلالها للعنف، ومن بينها العنف المنزلي. إذ يتعرض الاطفال في منازلهم للعنف بهدف تربيتهم. بحيث أشارت دراسة لليونيسيف إلى تعرض ثلاثة من أربعة أطفال تتراوح اعمارهم بين السنتين إلى اربع سنوات للعنف الاسري من قبل أهاليهم، فيما يتعرض ستة من أصل عشرة للعنف الجسدي حول العالم.
وعليه تتعدد والاماكن والجهات والمصادر التي قد يتعرض الطفل من خلالها للعنف ومنها:
- العنف الأسري:
يتعرض الاطفال للعنف الأسري غالبا بقصد التربية. وقد يكون العنف لفظي توبيخي، ويتفاقم في بعض الاحيان ليكون جسدي باستخدام الضرب، وقد يكون نفسي عن طريق الحرمان او التخويف أو العقاب النفسي المزعج كالإحتجاز في غرفة. في حين تشهد بعض الاسر تعنيف شديد قد يصل لحد الأذية الجسدية والنفسية في آن, ينتج عنها اضطراب نفسي حاد، وقد تؤدي إلى الأذى حتى الموت أحيانا. قد يكون المعنف في الاسرة احد الأبوين أو كليهما، زوج الأم ، زوجة الأب، أو أحد الإخوة. وقد يتشعب العنف الأسري ضد الأطفال ليشمل تزويج القاصرات والتزويج بالقوة ، وتعريضهم لأشكال من العتف الجسدي والجنسي والنفسي.
- التنمر:
وقد يشمل التنمر الذي يتعرض له الأطفال بالمباشر من محيطهم العائلي او المجتمعي او المدرسي، بحيث قد يقوم طفل آخر او زميل بالتنمر،وقد يقوم به بالغ كذلك, أو يتعدى حدود المجتمع الواقعي إلى التنمر الاكتروني، عبر وساىل التواصل الإجتماعي، من اشخاص يعرفونهم في الحقيقة كزملاء المدرسة او الحيّ او من أشخاص تعرفوا إليهم من خلال وسائل التواصل. وغالبا ما يشكل التنمر ضرر إجتماعي ونفسي وجسدي للطفل،ويجعله في حالة من المعاناة الشديدة.
- عنف الأقارب او المجتمع المحيط بدائرة العائلة:
بحيث يكون العنف على شكل إساءات كلامية ، وقد تتفاقم لتصبح نفسية،جسدية وعاطفية جنسية في كثير من الأحيان. ولهذا الأمر وقع كبير وصادم،فقد يكون المعنف أحد الأشخاص القريبين من العائلة، والذين تربطهم بالعائلة ثقة كبيرة،يتسللون من خلالها لفرض عنفهم على الأطفال ويكون بأشكال مختلفة.
- العنف ضد المراهقين:
الذي تقوم بها عصابات معينة، او في المجتمع المحيط بهم ، بهدف استغلالهم وإخافتهم لتنفيذ أمور معينة، كالسرقة او تعاطي وترويج المخدرات, أو حتى الاعتداء الجنسي.
- التحرش، والإساءات الجنسية بكل أنواعها:
على أرض الواقع أو عبر وساىل التواصل ، ولهذا الموضوع أثر نفسي بليغ . وهناك الكثير من الإساءات المتعددة كالتخويف، الإستهزاء، الإستصغار، الظلم، التسخير، الإستخدام، التجويع، القهر، الإزدراء، التحجيم،التوبيح... وغيرها من الافعال التي تدمرّ نفسية الطفل ونظرته لذاته،فتربكه وتجعله يشعر بغياب الأمان.
أنواع العنف ضد الأطفال
- العنف الجسدي:
وهو تعرض الطفل للضرب والكدم بوسائل شتى، منها الضرب باليد، أو استخدام آلات وأغراض معينة، او حتى محاولة تعذيب وتعريض للحرق والوجع...وقد ينتج عن التعنيف الجسدي آثار وكدمات على الجسم اليدين، القدمين، العينين.. وغيرها. وقد يتفاقم الامر فيتعرض الطفل لكسور وحروق وإصابات خطيرة في الرأس وغيرها. فيما يكون بعض التعنيف الجسدي قاتلا ويؤدي إلى فقدان الطفل لحياته.
- العنف الجنسي :
وهو تعرض الطفل لأي نوع من أنواع الاعتداء أو الأذى الجنسي ، قد يكون اعتداء او غتصاب جنسي من راشد لا يعرفه او يعرفه .
- سفاح القربى ، حيث يقوم أحد الابوين أو أحد الأقارب بفعل جنسي مع الطفل نتيجة إدمان او ثمالة..
- التحرش الجنسي عن طريق استخدام الكلام إن في الواقع او عبر وسائل التواصل. وقد تشمل إجبار الطفل على مشاهدة أفلام وصور إباحية، واستدراجه وإزعاجه أو إغرائه لاستغلاله جنسيا. يتسبب العنف الجنسي بمشاكل جمة، وهي قد تكون ظاهرة لدى الطفل المعتدى عليه، أو غير ظاهرة. وتؤدي بالطفل إلى اضطرابات في النوم والأكل، القلق، الإكتىاب، الشعور بالذنب والعار، فقدان احترامه لذاته، صعوبة في تكوين العلاقات مستقبلا، إمكانية تعاطي المخدرات، اذية الجسد والنفس، واضطرابات أخرى لا تحصى تستوجب تدخل اختصاصي نفسي للمساعدة على التخلص من تبعات هذا التعنيف والإعتداء.
- العنف النفسي والعاطفي:
وينتج من خلال تعرض الطفل للإساءة في المعاملة النفسية والعاطفية، عدم الإهتمام، غياب الامان، التوبيخ الدائم أمام الغير، الصراخ، المقارنة، عدم تأمين احتياجات الطفل التي قد تكون مادية او عاطفية ونفسية، السخرية، التسلط، غياب التحفيز والتشجيع، الإزدراء، الرفض ، الإنتقاد اللاذع والدائم وغيرها من السلوكيات اللفظية التي تجد طريقها للتعبير عبر كلام وملامح ولغة جسد المعنف. وهذا ما قد يصدرمن الأهل والمقربين والمجتمع المدرسي والأصدقاء وغيرهم. يتسبب التعنيف النفسي والعاطفي ، بأذى نفسي كبير يتترجم من خلال سلوكيات الطفل الذي يفقد تقديره وثقته بذاته، ويجنح نحو الحزن والإنزواء ، أو نحو العدوانية والعناد. وقد يتأثر على المستوى الصحي دون وجود مرض عضوي، فترتفع حرارته، يمتنع عن الأكل، يصاب بالوهن وغيرها الكثير من السلوكيات والإعتلالات.
- الإهمال:
وهو يتأتى من حرمان والدي الطفل او مقدمي الرعاية له من احتياجاته الأساسية. ويشمل التقصير في تأمين رعاية صحية وطبية وتعليمية واحتياجات أساسية من غذاء ودواء ولباس ومأوى. وتتعداها إلى التقصير في تأمين احتياجاته النفسية العاطفية من الإحتواء والإستماع والمساعدة على حل المشكلات، والنصح والتواجد والمشاركة في نشاطات خاصة يحبها الطفل وغيرها الكثير... وهذا ما يسبب ألما نفسيا، يفاقمه الشعور بالحرمان وانعدام الامان ويجعله في مقارنة دائمة مع غيره من الأطفال، بشكل يزيد من نقمته وغضبه وحزنه ،فينعكس أشكالا سلوكية مختلفة.
مكافحة العنف ضد الاطفال
تشكل أهمية تأهيل المجتمع بكامل فئاته عبر التوجيه والدعم المستدام أرضية يتم الإنطلاق منها لتأهيل الوالدين حتى قبل إقدامهم على خطوة الإنجاب.فالمنزل مكان أساسي لمكافحة العنف ضد الطفل. وقد عمدت المنظمات العالمية كاليونيسيف وغيرها بإطلاق الدراسات والخطط والتشريع اللازم، وإيجاد الأطر المساعدة للحد من العنف عن طريق عدد من الإجارءات منها:
- الدعم الإقتصادي:
بحيث أن العامل الإقتصادي يساعد في الاستقرار الأسري بشكل كبير. فعمدت المنظمات والجمعيات العالمية إلى تقديم المساعدات المالية أحيانا، او تقديمات أخرى عينية، وتأمين فرص عمل لدعم الظروف العائلية.
- التربية الإيجابية:
للتربية دور أساسي في مكافحة العنف ضد الأطفل، فقد عمدت المنظمات العالمية إلى إقامة حملات توعية، حملات تعليمية عامة، وسن قوانين تمنع استخدام العنف ضد الأطفال.
- تنظيم التعليم المبكر:
بحيث يساعد التعليم النوعي للسنوات الأولى للطفل في خلق مشاركة فعالة بين المدرسة والطفل والأهل، من خلال استخدام محتوى هادف وداعم لحياة سليمة.
- التدخُّل والحماية:
غالبا ما يحتاج الطفل المعنف إلى تدخل من جهات مختصة كجمعيات وأخصائيين يقدمون الدعم النفسي للطفل، والدعم التثقيقي المهاراتي للأهل ، وإيجاد الأطر الناجعة لحماية الطفل من العنف حاضراً ومستقبلاً.
تكثر الأمثلة لأشكال عنف مختلفة يصعب تصديقها. فتجد في غرفة لا تصلح لتربية الدواجن، مجموعة من ثلاث اطفال، تركهم والدهم ليتزوج بأخرى بعد مرض زوجته وموتها. يعيش الثلاثة في حالة مزرية من الخوف الشديد، يفتقرون لأدنى مقومات العيش. فتات خبز قد يتلقونها من المارة ، ماء غير صالحة للشرب، غياب ماء الإستحمام، ملابس رثة، لا كهرباء ولا تدفئة ولا تعليم ولا طبابة. والأسوا من كل ذلك غياب الأمان والخوف الذي يحل مع ساعات المساء ، فيتمسك الثلاثة ببعضهم البعض هربا من الخوف والبرد واستعانة على الليل حتى ينقضي. لقد تعرضت الفتاتان للتحرش اكثر من مرة ، وتعرض شقيقهم الصغير للضرب أكثر من مرة، وكسرت يده في محاولته الدفاع عن شقيقاته. فيما الاب غارق في تحقيق إنجاز جديد، بعدما أنجز في تكوين أسرة مصيرها المعاناة النفسية والجسدية، وسلوكها مفتوح امام كل الإحتمالات. بقيت هذه العائلة مكتومة المعاناة حتى أضاء الإعلام على وضعها فتحركت الجمعيات وغيرها.
والسؤال، اين الدولة في غياب الأهل؟ اين مسؤولية بلدياتها وإداراتها في التبليغ؟ هل تتحرك الجمعيات فقط في حال تدخل الإعلام؟ من يزيح هذا الحمل الأسود عن أكتاف الأطفال؟ من يمحو الظلم والقهر؟