قلق في العراق

25 آب 2022 07:25:29

يعيش العراق حالة من الاضطرابات غير المسبوقة تُنذر بجنوح الأزمة القائمة إلى مندرجات خطيرة. والشعب العراقي، بمكوناته المختلفة، في غاية القلق مما يجري، خوفاً من الانزلاق إلى فوضى تزيد من معاناته اليومية، وقد تؤثر في مستقبل الدولة برمتها. ومن المؤكد أن الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد لا يتحمل الدعوات المتبادلة إلى حشود مليونية في شوارع بغداد. وحكومة الرئيس مصطفى الكاظمي التي تصرِّف الأعمال منذ ما يزيد على 10 أشهر، قد تكون غير قادرة على التعامل مع توترات من الحجم الكبير، خصوصاً في العاصمة بغداد، ومدن الجنوب، بسبب وجود فصائل متعددة تحمل السلاح، وهي لا تنضوي تحت جناح القوات المسلحة الشرعية.

 ومنذ ما يزيد على 40 عاماً يتخبط العراق في أزمات وازنة، وقد عانى شعبه من ويلات قلما عاشها شعب آخر. وتذكر إحصاءات الأمم المتحدة أن العراق هو الدولة الأولى في العالم لناحية عدد ذوي الاحتياجات الخاصة «المعوَّقين»، قياساً لعدد السكان، كذلك الأمر في ما يتعلق بعدد الأرامل، والأطفال الأيتام.
نتائج الانتخابات التشريعية التي حصلت في أكتوبر 2021؛ أفرزت خارطة سياسية جديدة، وقد فاز «التيار الصدري» مع حلفائه بأغلبية برلمانية وازنة، لكن أكثريتهم لم تصل إلى حد الحصول على ثلثي أعضاء مجلس النواب، وبالتالي، فإنهم غير قادرين على تأمين نصاب لجلسات البرلمان لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة.

طرفا النزاع السياسي الحاد في العراق يناديان بضرورة تحقيق الإصلاح ووقف الهدر والفساد في مؤسسات الدولة، وبتوفير عيش كريم للمواطنين الذين يرزحون تحت ضغوطات حياتية هائلة، لاسيما من جراء انقطاع الكهرباء وشح المياه، ومن تفاقم البطالة. لكن الفريقين غير قادرين على تشكيل حكومة ائتلافية واحدة، بسبب التباعد السياسي الكبير بينهما. وقد طالب التيار الصدري وحلفاؤه بحكومة أكثرية تتحمل مسؤولية أمام الشعب، وتخضع لمساءلة المعارضة، بينما تطالب كتلة الفتح التي تضم فصائل «الحشد الشعبي» ومعهم نواب حزب الدعوة، بزعامة نور المالكي؛ بتأليف حكومة مشاركة وطنية تضم كل القوى التي نجحت في الانتخابات. وعدم الوصول إلى تأليف حكومة أكثرية دفع نواب الكتلة الصدرية ال 73 إلى الاستقالة من البرلمان.
اندفاعة الجماهير الصدرية منذ مطلع أغسطس/ آب نحو مقر البرلمان ودخوله، أنتجت واقعاً جديداً. قابلتها دعوة من فصائل «الحشد الشعبي» إلى التظاهر عند حدود المنطقة الخضراء في بغداد، والفريقان يتنافسان في الدعوة إلى حشود متقابلة، تخاف الحكومة من عدم القدرة على السيطرة عليها. وقد أصبحت أولويات التيار الصدري حلّ مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة، بينما يقول قادة «الحشد الشعبي» ومعهم الرئيس الأسبق للحكومة نور المالكي، إن الأولوية هي لعقد جلسة للبرلمان ولتشكيل حكومة جديدة. وحلّ البرلمان لا يمكن أن يحصل إلا بقرار من النواب في جلسة شرعية، أو باستقالة أغلبية الأعضاء، أو بطلب من حكومة كاملة الصلاحيات، وليس من حكومة تصريف أعمال، كما هي عليه الحال مع حكومة الكاظمي اليوم. والمحكمة العليا اعتبرت أن حلّ المجلس ليس من صلاحياتها وفق الدستور.
الغليان السياسي والشعبي أنهك الدولة، ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي دعا الأفرقاء إلى تقديم تنازلات متبادلة لإنقاذ البلاد، واجتمع مع هادي العامري ممثل قوى «الحشد الشعبي»، طالباً المبادرة إلى إيجاد تسوية ترضي الفريق الآخر، لكن الصدر يرفض أي مشاركة مع القوى التي سببت الويلات للبلاد، وأدت إلى تعميم ثقافة الفساد والقتل، كما يرفض مع حلفائه التدخلات الخارجية بشؤون العراق، خصوصاً من الذين قطعوا الكهرباء والمياه عن البلاد في أوج موسم الحر والغبار.
وسط هذا القلق المُخيف؛ يستمر تراجع الدخل القومي العراقي، وتزداد البطالة، بينما تدنّى دخل الفرد إلى ما دون 4,2 ألف دولار سنوياً، ووصل في عام 2019 إلى ما يزيد على 6 آلاف دولار، وعمليات التهريب تتزايد من الشمال الغربي ومن الشرق، ما يسبب ضغطاً مالياً قاسياً على المنتوجات العراقية، خصوصاً الزراعية منها، وقد تدنت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج الإجمالي إلى ما دون 3 في المئة.