Advertise here

الاتفاق الأميركي - الإيراني إذا حصل.. أي تداعيات على الشرق الأوسط؟

24 آب 2022 14:48:40

يتأكّد يوماً بعد يوم إصرار القوى المعنيّة بالاتفاق النووي الإيراني العودة إلى اتفاقية العام 2015 بين إيران ومجموعة دول (5+1)، كما يتأكّد من ذلك رغبة واشنطن وطهران الوصول إلى اتفاق جديد يعيدهما إلى إحياء الاتفاق السابق، لذلك لا بدّ من قراءة الآثار والمترتبات التي سيفرضها الاتفاق الجديد على منطقة الشرق الأوسط، خاصةً وأنّ عملية التفاوض الحالية تحمل بعدين: الأول، إمكانية تحقيق انتصار للجميع (الكل رابح)، والثاني، كيفية معالجة كل طرف المشكلات الناجمة عن خسائره لحظة توقيع الاتفاق، لا سيّما القضايا المرتبطة بالوضع الداخلي.

الشيء الأساس في هذه القضية أنّ فريق الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي هو امتداد لفريق الرئيس الأسبق باراك أوباما، لا يتمتع بقوة حضور ونفوذ الرئيس أوباما وقدرته على تسويق الاتفاق داخل المجتمع الأميركي لسببين: الأول، أنّ الادّعاء بوجود اتّجاه إصلاحي داخل النظام الإيراني سقط وانتهى ولم يعد موجوداً، وبالتالي لا يمكن لفريق الرئيس بايدن تكرار الكلام والرهانات التي تحدّث بها سابقاً.

 والسبب الأخر، أنّ هذا الفريق كان يستمد قوته من شخصية الرئيس أوباما، ومن تأثيره في موازين القوى الداخلية لدى الرأي العام الأميركي، فيما يعاني فريق اليوم من ضعف كبير جرّاء اختلاف توازنات القوى الداخلية في أميركا، وعليه لا يستطيع تلبية الاحتياجات الإيرانية، والتي بموجبها سيتم تسويق الاتفاق الجديد، كما أنّه لا يستطيع تغطية نشاط إيران العسكري في الشرق الأوسط، ولا تغطية برنامجها البالِستي، لذلك سواءً تم الاتفاق أو لم يتم فإنّ أزمات وقضايا ونزاعات الشرق الأوسط والمنطقة العربية هي خارج هذا الاتفاق، لا بل فإنّ العودة إلى هذا الاتفاق ستضع تلك القضايا والأزمات أمام مرحلة جديدة أكثر خطورة من السابق.

لن تستطيع الإدارة الأميركية تسويق الاتفاق الجديد في المنطقة العربية، على عكس ما قاله الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، من أنّ "شركاء الولايات المتحدة الأميركية في الخليج يدعمون عودتنا للاتفاق النووي بسبب أهميّته لأمننا القومي، وكذلك لأمنهم"، لأنّ ذلك يصطدم بكل ما أنتجته قمة جدة الأخيرة، والتي شارك فيها الرئيس جو بايدن إلى جانب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بحيث أنّ التحالف العربي وضع الأسس والمواقف والقضايا الجوهرية، ورسم الخطوط الحمراء العربية التي لم تكن موجودة عام 2015، لذلك ثمة متغيّر كبير في هذا الإطار يتبعه متغيّر آخر، أنّ المخادعة في المعاهدات الإبراهيمية التي انطلقت في عهد الرئيس ترامب على أنّها مسار جديد ستكون له الأولوية في صناعة القرارات في الشرق الأوسط سقط في قمة جدة أيضاً، ويسقط حالياً في دعوة إسرائيل لعقد قمة في المغرب، فيما أنّ الإمارات العربية المتحدة والبحرين أجرتا تعديلات على علاقتهما بتلك الاتفاقيات وفق ما أظهرته خلاصات مداولات قمة العلمين الخماسية الأخيرة في مصر، والتي جمعت قادة مصر والإمارات والبحرين والأردن والعراق. فالوهم السياسي الذي نشأ في المرحلة السابقة في الإدارة الأميركية باعتبارها حقّقت نجاحات لإسرائيل، اصطدم بحقيقة أنّ التحالف العربي استطاع إعادة بناء خطوطه الأساسية ومواقفه السياسية الاستراتيجية المباشرة، والمتوسطة، والبعيدة، بما يخدم مصالحه المشتركة، واستطاع أن يبرهن أنّ المشروع العربي الآن لا يقل صلابة وقدرة عن المشروع الإسرائيلي – الأميركي، أو المشروع التركي، أو المشروع الإيراني، في الشرق الأوسط.

لذلك فإنّ إنجاز الإدارة الأميركية للاتفاق مع إيران بصيغته الحالية سوف يذهب إلى تعويم الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط، وبالتالي تعزيز الحضور الأميركي وتحكّمه بالملفات الكبرى ذات الصلة في الصراع الدولي، لا سيّما الملف النفطي ومصادر الطاقة، باعتباره عنصراً ضاغطاً أفرزته حرب أوكرانيا، وتداعيات الحصار الأميركي – الأوروبي على روسيا التي تتولى مع المملكة العربية السعودية إدارة المعروض النفطي العالمي منذ تأسيس تحالف "أوبك بلاس" عام 2016، حيث تؤشّر المفاوضات إلى أنّ الاتفاق النووي سيسمح لطهران بضخّ خمسين مليون برميل من النفط الخام في الأسواق خلال الأيام المئة والعشرين الأولى بعد التوقيع، بمعدّل يقلّ قليلاً عن 420 ألف برميل يومياً. وسيشكّل ذلك بداية لتدفقٍ أكبر للنفط الإيراني إلى الأسواق، والموانئ الأوروبية تحديداً، حيث يدخل في كانون الأول المقبل قرار تنفيذ العقوبات الأوروبية على روسيا، وتوقيف استيراد النفط الروسي والمقدّر حالياً بـ 1.2 مليون برميل. وهذا ما يفسّر الاندفاعة الأوروبية لعقد الصفقة النووية مع إيران أكثر من اندفاعة الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه.

وإذا كان تراجع أسعار النفط هاجساً أميركياً، وتأمين البدائل النفطية والغازية هواجسَ أوروبية، فإنّهما في هذا السياق بحاجة إلى الإدارة السعودية لضمان توازنات السوق النفطية، سيّما وأنّ ما قاله وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، لوكالة "بلومبِرغ" حيث ذكّرَ مجدّداً بشيء من الثوابت الجديدة في إدارة السوق النفطية. وأحد هذه الثوابت وجود السعودية وروسيا معاً في قيادة تحالف "أوبك بلاس" الذي يستأثر بنصف الإنتاج النفطي العالمي تقريباً. وقد أكّد الوزير السعودي أنّ لدى هذا التحالف كلّ الأدوات والوسائل للحفاظ على توازن السوق، بما في ذلك إمكانية خفض الإنتاج في أيّ وقت وبطرق مختلفة، مذكّراً بقرارات مفصليّة من هذا النوع تمّ اتّخاذها في 2020 و2021.

من ناحية أخرى، فإنّ الإنفاق المالي الأميركي الكبير على تسليح أوكرانيا لإطالة أمد الحرب فيها واستنزاف روسيا، يقتضي تعويض تلك المليارات بمداخيل جديدة عن طريق الصناعة الحربية، وتعميم المبيعات والاستثمارات الخارجية، وهذا يتطلب إطلاق مزيد من التوترات والصراعات بين دول العالم، لا سيّما الإقليمية منها. لذلك تدرك إيران أهمية التحدي الذي فرضه التحالف العربي في حرب اليمن منذ إعلان عاصفة الحزم حتى اليوم، والتغيير الذي طرأ على ميزان القوى داخل اليمن، وأهمية التحدي الذي فرضه الداخل العراقي بوجه النفوذ الإيراني حيث الأمور تذهب إلى مزيد من التصعيد، وتقف عند حدود حرب أهلية شيعية – شيعية قد لا تتحمل طهران ارتداداتها عليها.

 وتدرك إيران أيضاَ مخاطر استمرارها في تعظيم نفوذها في سوريا، واتّجاهها لامتلاك أسلحة نوعية تتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها لها إسرائيل بموافقة روسية، حيث لم توقف تل أبيب ضرباتها الجوية داخل العمق السوري بغطاء روسي لمنع طهران من بناء قدراتها العسكرية المتطورة في سوريا، والذي قد يدفع المنطقة إلى مزيد من التوتر أيضاَ.

من خلال ذلك يمكن القول إنّنا أمام مرحلة جديدة تصحّ فيها تسمية "مرحلة الصراعات الإقليمية المحتدمة في الشرق الأوسط" بين إيران من جهة والتحالف العربي من جهة أخرى، وبين إسرائيل وتطور النفوذ الإيراني في سوريا وامتداداته في لبنان وغزة، وبين الدور الروسي والدور التركي في سوريا، وبين الدور الأثيوبي في القرن الإفريقي الذي تراجع بفعل الأزمة الداخلية، إلّا أنّه حاضر أيضاً للعب دور ما على مسرح الشرق الأوسط، وبالتالي فإنّ المرحلة المقبلة قد لا تحمل الحلول القريبة للأزمة العراقية، ولا تحمل أي بوادر حلول للأزمة السورية، ولا للحرب اليمنية على الرغم من تجديد الهدنة فيها، وبالتالي ثمة محاذير قوية من الانزلاق نحو صدام عسكري مباشر بين إيران والمملكة العربية السعودية إذا ما شعرت إيران باهتزاز الأرض تحت أقدامها في العراق واليمن، وهذا الأمر لن تمانعه واشنطن إذا ما حصل، بل ستعمل على تقديم كل ما يلزم الرياض من تسليح لإطالة أمد تلك الحرب التي ستجلب الخراب للجميع.

عندما أُعلن عن إنشاء التحالف العربي قبل سنوات، كان بمثابة إعلان مبادئ قبل أن يدخل في تجارب واختبارات عملية حصل نتيجتها تعديلات جوهرية في مساره صعوداً وهبوطاً. إلّا أنّ القاسم المشترك بين دول التحالف أصبح أكثر وضوحاً ومتفقاً عليه بين كافة الأطراف بما فيها قطر وعُمان، فقوة القاسم المشترك بينها وصلابته على أرض الواقع وفق ما بيّنت تجربة السنوات السابقة، تشير إلى أنّ المملكة العربية السعودية تمتلك الرؤية الأكثر عمقاً واستراتيجيةً، وأنّ المعالجة التي تعتمدها الرياض هي الأكثر دفاعاً عن القواسم المشتركة العربية بما فيها حمايتها للقضية الفلسطينية. وبالتالي فإنّ المرحلة القادمة تدفع الرياض لتكون قاطرة حقيقية ومساحة جامعة ممسكة بالقواسم المشتركة لنظام المصلحة العربية، وحيث ستكون سيدة الموقف في المرحلة المقبلة التي قد تمتد لخمس سنوات، إلى حين تبلور صورة الإدارة الأميركية الجديدة وتظهر معالم شخصية الرئيس ما بعد بايدن.