Advertise here

"الدولة لا تساعد أصحاب المهن التراثية على الصمود"

23 آب 2022 07:28:38

في وقتٍ وصل فيه البلد إلى أصعب الظروف الإقتصادية والإنهيار ثمة البعض من المواطنين ما زالوا يرفضون أن يستسلموا للواقع، واستمروا بالمحافظة على مهنهم وحرفهم لأنهم يعتبرون أن في الصمود والتحدي كسراً لجبل جليد اليأس الذي يمنع أفق النور من الظهور، ومن بين هؤلاء رضوان إسكندر وهو حداد عربي. 

يتمسّك إسكندر بمهنة الحدادة العربية التي ورثها أباً عن جد. في قرية كوشا في عكار يتواجد مصنعه المتواضع تحت منزله وهناك يصنع العدّة ويعرضها أيضاً للبيع، ويعتبر من القلائل جداً على مستوى الشمال الذين لا يزالون يتمسكون بهذه المهنة. 

يصنع إسكندر اللوازم والأدوات التقليدية المعروفة للمزارعين والفلاحين وأصحاب الملاحم وربات المنازل، بالإضافة إلى الأصناف التي تستهوي السياح أو هواة جمع الأدوات التراثية. من هذه الصناعات السكاكين بمختلف الأحجام والمناجل والمعاول وحتى السيوف. كان يصنع في السابق الكثير منها ولكن الأزمة الأخيرة دفعته إلى العمل حسب الطلب فيصنع الأدوات التي يطلبها منه الزبائن فقط. 

طوّر رضوان بعض الشيء في المهنة عن أيام والده وجده، فاقتنى آلات وماكينات ومعدات، تعمل على الكهرباء لتسريع وتيرة العمل ليصبح عمله «نصف يدوي ونصف كهربائي»، الا ان أزمة انقطاع الكهرباء بشكل تام في المناطق ومنها عكار، إلى جانب غلاء أسعار المازوت وانقطاع مولدات الإشتراك، شكّل عامل تراجع في العمل فاضطرّ إلى العودة بالكامل إلى الأساليب البدائية في هذه المهنة التراثية. 

يؤكد إسكندر ان في مصنعه المتواضع هذا يستطيع أن يصنع الكثير من الأدوات التراثية، إلا أن غلاء الفحم والخشب وكل المستلزمات التي تدخل في هذه الصناعة قد أدى إلى صعوبات كبيرة أصبح معها التمسّك بهذه الصناعة غير سهل، إلا أن للأزمة وجهاً إيجابياً واحداً أنها أعادت الناس من جديد إلى التراث فعادت لاقتناء هذه الأدوات لأنها أرخص، ولم يعد هناك تمسُّك بالشكل على حساب المضمون والنتيجة. زبائنه في الفترة الأخيرة أصبحوا من كل المناطق لا سيما من عكار، ورغم أنه قديم في هذه المهنة القديمة إلا أنه يستعمل حسابه على الفايسبوك لترويج ما يصنع. 

ليس لرضوان ولد لكي يعلمه المهنة لتستمر معه، لكنه يؤكد أنه سيبقى يتمسك بمهنة الأجداد إلى آخر حد، طالما لا زال يستطيع تأمين متطلباتها، ويرى أن وزارة الصناعة والدولة لا تدعمان الصناعات والمهن التراثية ولا يساعدون أصحابها على الصمود.

ثمة الكثير من المواطنين اللبنانيين أو الكثير من أصحاب المهن في هذا البلد قد وضعوا في ظروف صعبة من دون أن يكون لهم أي دور في ذلك. هم أجبروا على أن يكونوا في واقع سيئ أضاع عليهم الكثير من الأحلام والتفكير في التطوير وفي الحفاظ على التراث الوطني، لكنّ دولتهم لم تفكر في يوم من الأيام كيف تحافظ على تراث البلد أو كيف تحمي من يحافظون عليه.