Advertise here

الاتفاق النووي الايراني.. تفاؤل حذر ونقاط عالقة

19 آب 2022 10:38:24 - آخر تحديث: 19 آب 2022 10:47:29

دخل مسلسل المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في فيينا حول الاتفاق النووي الإيراني فصله الأخير، وذلك مع إعلان وزارة الخارجية الأميركية أنَّ، "جهود إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران باتت الآن في مرحلة يفترض أن تكون نهائية". وسواءً كان هذا الفصل من حلقة واحدة أو من حلقات متعددة فمن الواضح أنّ الأطراف الموقّعة على نسخة العام 2015 من الاتفاق، مجموعة (5+1)، بما فيها واشنطن وطهران، يرغبون في العودة إلى إحيائه، وفق ما قال دبلوماسيون أوروبيون لوكالة "رويترز" إنّه، "من غير المرجّح أن يعلن أي من الطرفين موت الاتفاق، لأن إبقاءه على قيد الحياة يخدم مصالحهما، ولأنّ فشل المفاوضات من شأنه أن يحمل مخاطر كثيرة منها اندلاع حرب إقليمية جديدة في منطقة الشرق الأوسط بعدما رفعت إسرائيل مستوى تهديداتها بإجراء عمل عسكري ضد إيران لمنعها من تطوير قدراتها العسكرية النووية. وحذرت إيران، التي تنفي منذ فترة طويلة وجود مثل هذا الطموح بردٍ ساحق على أي هجوم إسرائيلي".

صحيفة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) كشفت عن أن المقترحات الأوروبية التي قُدّمت إلى الطرفين، باعتبارها ورقة نهائية تتضمّن تقديم تنازلات كبرى لإيران، تهدف إلى إنهاء تحقيق وكالة الطاقة الذرية بشأن الأنشطة النووية المفترضة التي رصدتها فرق الوكالة الذرية في بعض المواقع.

وتطرح واشنطن تعليق جزءٍ من العقوبات المفروضة على طهران وإبقاء جزء آخر، وتصرّ على توسيع الاتفاق ليشمل برنامج إيران الصاروخي ونفوذها الإقليمي.

المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، قال إنّهم تلقوا ملاحظات إيران عبر الوسيط الأوروبي، وأنّهم أطلعوا شركاءهم على ما يجري ومن ضمنهم إسرائيل، مشيراً إلى أنّ جميع الأطراف وضعت ملاحظاتها بخصوص مسودة الاتحاد الأوروبي. غير أنّ واشنطن لن تكشف تفاصيل موقفها، وقال، إن بلاده تقيّم مع شركائها الأوروبيين الرد الإيراني، وأشار إلى أنّ بلاده تعتبر طلب الضمانات عقبةً أمام إعادة إحياء الاتفاق النووي، مشدداً على أنّ الموقف الأميركي كان واضحاً، وشدّد على أنّ "العقوبات المفروضة على الحرس الثوري الإيراني هي خارج الاتفاق النووي وغير مرتبطة به"، وأكّد أنّ "الاتفاق سيكون ميتاً إذا أظهر تقييمهم بأنّ الوضع لم يعد يصب في صالح الأمن القومي للولايات المتحدة".

واعتبر برايس أنّ الأهم لديهم ولباقي الأطراف، مثل الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، أن لا تمتلك إيران سلاحاً نووياً، وقال "إذا امتلكت إيران سلاحاً نوويا فإنّ ذلك سيشكّل خطراً علينا وعلى المجتمع الدولي"، وأشار إلى أنَّ "شركاء الولايات المتحدة الأميركية في الخليج يدعمون عودتنا للاتفاق النووي بسبب أهميّته لأمننا القومي وكذلك لأمنهم".

في المقابل اعتبر الاتحاد الأوروبي أنّ رد طهران بنّاء، وأنّه يبحث مع واشنطن الخطوة التالية. أمّا إيران فأعلنت أنّ هدفها من التفاوض هو رفع قيمة ثمن أي انسحاب أميركي من الاتفاق مستقبلاً، وفق ما قاله مستشار الوفد الإيراني، المفاوض محمد مرندي، لقناة الجزيرة، حيث شدّد على ضرورة وجود ثمن لأي انسحاب أميركي من أجل تحصين الاتفاق. وأضاف أنّ "من أوجه رفع الثمن هو الضمانات النووية الذاتية، وأخرى اقتصادية وسياسية وحقوقية، موضحاً أنّ الضمان الاقتصادي يعني تحصين الشركات الأجنبية وحمايتها من العقوبات الأميركية".

شبكة "سي. أن. أن"  الإخبارية نقلت عن دبلوماسي إقليمي قوله إنّ القضية الرئيسية التي تقف أمام إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران هي الضمانات المطلوبة من طهران لتعويضها إذا قرّرت أي إدارة أميركية في المستقبل الانسحاب مرة أخرى من الاتفاق. وأوضح الدبلوماسي الإقليمي أنّه "تمَّ إحراز تقدّم في تقريب وجهات النظر، خاصةً ما يتعلق بمسألة العقوبات غير المباشرة على الشركات الإيرانية العاملة في الخارج".

وفق تقارير غربية، فإنّ الاتفاق النووي سيؤدي إلى رفع مؤقت للعقوبات، ضمن فترة تمتد لغاية 2025، لاختبار امتثال إيران للاتفاق، وهذا من شأنه تحرير ما يزيد عن 100 مليار دولار من الأرصدة الإيرانية المجمّدة. كما سيؤدي رفع العقوبات الأميركية عن انتاج إيران من النفط والبالغ 2.5 مليون برميل يومياً، إلى تراجع في أسعار النفط في الأسواق العالمية، حيث هبطت أسعار النفط الأميركي في العقود الآجلة بحوالي ثلاثة في المائة لتنهي التداول على سعر 90 دولاراً للبرميل.

على الرغم من تصميم طهران وواشنطن انتهاج الدبلوماسية والتوصل لاتفاق سياسي، فإنّ النقاط الخلافية التي أشرنا إليها تتلخص في ثلاث نقاط ما تزال تهدد الجهود الدبلوماسية وهي:

1- آثار اليورانيوم

تصرّ إيران على أنّه لا يمكن إنقاذ الاتفاق النووي إلّا إذا تخلّت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن مزاعمها بشأن أنشطة طهران النووية، في حين تنظر واشنطن ودول غربية أخرى إلى هذا الطلب على أنّه خارج نطاق إحياء الاتفاق. وبحسب معلومات موقع "إيران إنترناشيونال" فإنّ طهران خفّضت من مطالبها، خصوصاً لناحية قبول الصياغة الواردة في نصّ الاتحاد الأوروبي حول تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في آثار اليورانيوم في 3 مواقع سرية.

 وطالبت طهران علناً الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإسقاط التحقيق.
وكان مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية (المؤلف من 35 دولة) أصدر في حزيران الفائت بأغلبية ساحقة قراراً -صاغته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا- ينتقد إيران لتقاعسها عن تفسير آثار اليورانيوم التي تمّ العثور عليها في 3 مواقع غير معلنة. والذي ردّت عليه إيران بزيادة تخصيب اليورانيوم تحت الأرض من خلال تركيب سلاسل من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة والأكثر كفاءة، كما قامت بنزع جميع معدات المراقبة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تم تركيبها بموجب اتّفاق عام 2015، في خطوة وصفها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، بأنّها "ضربة قاتلة" محتملة لمسألة إحياء الاتفاق.
ولم تستطع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الاطّلاع على البيانات التي جمعتها هذه الكاميرات التي ما زالت مع إيران منذ أكثر من عام.

وتشعر الدول الغربية بقلق متزايد من اقتراب إيران من صنع قنبلة نووية على الرغم من نفي طهران لأي طموح من هذا القبيل. لكنّ طهران، ومنذ تولي المتشدد إبراهيم رئيسي منصبه الرئاسي، دأبت على ممارسة الضغط على الإدارة الأميركية، من خلال اعتماده سياسة معلنة بتوسيع قدرات بلاده على تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 في المائة، مقتربة من 90 في المائة، وهي النسبة المقدّرة لإنتاج الأسلحة النووية.

2- الضمانات الملزمة

تسعى طهران للحصول على ضمانات بألّا تتراجع "أي إدارة أميركية" عن أي اتّفاق تم إحياؤه. ولكن لا يمكن للرئيس الأميركي جو بايدن أن يتعهد بذلك، لأن الاتفاق النووي تفاهم سياسي غير ملزم وليس معاهدة ملزمة قانوناً.

والاتفاق، الذي تم التفاوض عليه في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، لم يكن معاهدة نظراً لعدم استطاعة أوباما الديمقراطي الحصول بأي وسيلة على موافقة مجلس الشيوخ الأميركي.

مسؤولان إيرانيان قالا إنّ طهران اقترحت بعض الحلول، مثل فرض عقوبات مالية على الشركات الغربية التي قد تنهي عقودها مع طهران إذا تخلّت واشنطن عن الاتفاق مرة أخرى.

إلّا أنّ موقع "إيران إنترناشيونال"، المقرّب من الحكومة، أشار إلى أنّ إيران لم تقبل بوجود بند في نص الاتحاد الأوروبي يعوّض على طهران والكيانات التي تتعامل معها، بعد العودة لخطة العمل الشاملة المشتركة، في حال انسحبت الولايات مرة أخرى من الاتفاق كما حصل في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

3- الحرس الثوري الإيراني

في آذار الماضي، وبعد الاتفاق على الخطوط العريضة لإحياء الاتفاق بعد محادثات استمرت 11 شهراً في فيينا، انهارت المفاوضات جرّاء مطالبة طهران واشنطن استبعاد الحرس الثوري من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية الخارجية، ورفضت واشنطن القيام بذلك، حيث يعد الحرس الثوري القوة العسكرية الأساسية في إيران، ويتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي، ويملك إمبراطورية صناعية، ويتبع بشكل مباشر للمرشد الأعلى، علي خامينئي.
مصادر عدة قالت لرويترز، إنّ إيران وافقت على مناقشة الأمر بعد العودة الى الاتفاق، لكن طهران طلبت رفع العقوبات عن بعض الوحدات الاقتصادية في الحرس الثوري، والتي تعتبرها إيران أنّها لا ترتبط بخطة العمل الشاملة المشتركة.
 
مهما كانت التنازلات المحتملة التي طرحتها الولايات المتحدة أو إيران، ومهما كانت الأجواء إيجابية أو قليلة التفاؤل، فإنّ ما قاله المبعوث الأميركي الخاص روب مالي مؤخراً من أنّه "لم يتم الاتفاق على أي شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء"، والذي أكّده بطريقة أخرى، أمير عبد اللهيان، من أن  "الأيام المقبلة مهمة للغاية"، ومن المحتمل أن "نحتاج إلى مزيد من الجهود والمحادثات... لحل القضايا المتبقية"، وذلك يؤشّر إلى أنّ الفصل الأخير من مسلسل مفاوضات فيينا يتضمن، وعلى طريقة مسلسلات هوليوود، حلقات عدة ومفاجآت مثيرة لا تخلوا من استعراضات القوة والابهار