المعركة الأكبر التي يخوضها الجيش اللبناني!

19 آب 2022 07:26:32

منذ العام 2019، توالت الأزمات ولم تسلم منها المؤسسة العسكرية، وقد بدأت معالمها في منع التطويع سواء العسكريين أو في الكلية الحربية مع رفض التقاعد المبكر، ما أثّر على الخطة التي كانت قيادة الجيش بصدد تنفيذها وهي إعادة هيكلة الجيش. 

أرخت الأزمة الاقتصادية بثقلها على العسكريين فتدهورت قيمة رواتبهم إلى 50 دولاراً، هم الذين تُطلب منهم مهمّات كثيرة تزداد يوميًّا مع تزايد الحاجة إلى الأمن الاجتماعي، فضلًا عن مكافحة المخدرات والإرهاب والتهريب وصبط الحدود. 
ومنذ تولّي العماد جوزيف عون قيادة الجيش، وضع أسسًا للعمل والشفافية في المؤسسة العسكرية، فحظي بثقة لافتة في وقت سريع، وخصوصًا لدى العسكريين الذين لمسوا اهتمام القيادة باحتياجاتهم ومشاكلهم ومتابعة شؤونهم عن قرب، وفق ما أكّدت مصادر عسكريّة لموقع mtv. 
وكشفت المصادر أنّ التحديات التي تواجهها المؤسسة العسكرية كثيرة، فخفض الموازنة العامة انعكس على التغذية وتأمين المحروقات والطبابة، موضحة أنّ "كل ذلك دفع بالمؤسسة العسكرية إلى مضاعفة السياسة التقشفيّة التي سبق واعتمدتها، كما خفّضت المهمات العملانية من دوريات وتدريب وساعات طيران وتعديل نظام الخدمة إلى الحدّ الأدنى مع الحفاظ على نسبة جهوزية للمحافظة على الأمن والاستقرار". 

الوضع المتردي، دفع بقائد الجيش إلى رفع الصوت خارجيًّا، منذ أكثر من عام، لدعم مؤسسته ومنعها من الانهيار. فعبر المؤتمر الافتراضي الذي عقده، لبّى عدد من الدول طلبه وقدّم مساعدات غذائية وطبيّة. إلى ذلك، جال قائد الجيش على عدد من الدول طالباً للمساعدة.
وضع العماد عون الطبابة العسكرية في سُلّم أولوياته واهتماماته منذ البداية. وذكرت المصادر العسكريّة أنّ "السنوات الماضية شهدت تطوّراً لافتًا، وذلك بسبب المساعدات التي كانت تُقدّم للجيش وكان قائده يُحوّلها مباشرة إلى الطبابة التي يستفيد منها حوالى 400 ألف شخص بين عسكريين وعائلاتهم ومتقاعدين وعائلاتهم". 
وفي وقت يرزح القطاع الاستشفائي في لبنان تحت وطأة الأزمات وصعوبة تأمين "الفريش دولار"، تمكنت الطبابة العسكرية من أن تكون الجهة الضامنة الوحيدة في لبنان التي تُوفّر الخدمات الطبيّة مجانًا للعسكريين.  
الأزمة طالت أيضًا، الوجبات الغذائية، ممّا حال دون توفير المؤسسة للحوم في الوجبات لمدّة. ورغم المساعدات التي تلقتها، أشارت المصادر العسكريّة إلى أنّ "الغذاء متوفّر إنّما بكميات أقل من المعتاد". 
أمّا بالنسبة الى العتاد العسكري والسلاح فإن الولايات المتحدة الأميركية هي الممّول بنسبة 90 في المئة من سلاح الجيش اللبناني. 

وسط "جهنّم" الذي يعيشه لبنان، أعطت القيادة توجيهات للضباط بضرورة تفهّم أوضاع العسكريين والعمل على رفع معنوياتهم لتجاوز هذه المرحلة الصعبة. 
كما دأب قائد الجيش على القيام بزيارات ميدانية للاطلاع على أوضاع العسكريين، محاولًا إقناعهم بأن لا خيار سوى الجيش اللبناني: "الشعب والمجتمع الدولي يثق بنا، وليس أمامنا خيار آخر". 
إذاً، تماسك المؤسسة العسكرية لم يأتِ من عبث، على حدّ تعبير المصادر العسكريّة، إنّما من المعنويات التي لا يزال يتحلى بها العسكريون وإيمانهم بأنهم إذا تركوا الجيش لن يكون هناك من يحمي وطنهم وعائلاتهم، وثقتهم بأن قيادتهم تسعى لمساعدتهم بشتى الوسائل. 
 
كثرت في الفترة الماضية، أخبار فرار الآلاف من السلك العسكري. وفي هذا الإطار، أكّدت المصادر العسكريّة أنّ الأمر مبالغ فيه، إذ أنّ حالات الفرار محدودة وبعض من فرّ عاد وتقدّم بطلب استرحام للعودة مجدداً، فضلاً عن وجود آلاف طلبات التطويع.
معظم حالات الفرار ناتجة عن تراجع قيمة راتب العسكري الذي ما عاد يكفي لدفع فاتورة المولّد الكهربائي. فكيف للعسكريين أن يؤمّنوا مصاريفهم ومصاريف عائلاتهم وأن يوفّروا لهم حياة كريمة؟ 

مساعي قائد الجيش لم تتوقف عند حدّ طلب المساعدة من الدول، وتمكّن قبيل رأس السنة الماضي من تحرير مبلغ من المال من مصرف لبنان كان عبارة عن مساعدات مخصصة للطبابة قُدّمت للجيش من قبل لبنانيين مقيمين ومغتربين، وأُعطيت التوجيهات بتوزيعها على العسكريين بحيث بلغت قيمتها 100 دولار للعسكري.
كما باشرت دولة قطر تقديم مساعدة مالية للجيش ستوزّع قيمتها 100 دولار للعسكري.
إنّ مبدأ الإضراب الذي يلجأ إليه الجميع أكانوا قطاعاً عامًا أو خاصًا كلّما وجدوا به سبيلاً لرفع الصوت وتحصيل حقوقهم، لا يسري على العسكريين، فهم الوحيدون الذين لا يستطيعون التخلي عن مسؤولياتهم، مهما اشتدت الظروف وقست عليهم. 
وشدّدت المصادر على أنّ إنجاز الاستحقاق الانتخابي بنجاح لفت الجميع، قائلة: "في وقت راهن الكثيرون على تخلّف العسكريين وعدم قدرة الجيش على توفير الأمن، أثبت مرّة جديدة للجميع أنّه قادر على القيام بمهامه".  

وسط السوداوية التي تلفّ لبنان، والتردّد في اتخاذ القرارات، وتقديم مواضيع حياتيّة واقتصادية وأمنيّة على الملفات الخاصة بالمرأة وتدعيم حضورها، سارت المؤسسة العسكرية بخطى ثابتة نحو كسر الصورة النمطيّة.  
وأعلنت المصادر العسكرية أنّ أحد أبرز أهداف قائد الجيش منذ توليه القيادة كان تعزيز دور الأنثى عبر فتح المجال أمامها، فانخرط نحو 4000 آلاف أثبتن جدارتهن وكفاءتهن. 
وأضافت: "لاحقًا، فُتح المجال أمام الإناث في القوات الجوية فبات لدينا ضابطتين طيّارين، ومن ثمّ فُتح المجال في الكلية الحربية لاختصاصات ميدانية بعد أن كان سابقًا يقتصر على وظائف إدارية". 
إذاً، "لا شيء يمنع تدرج الاناث بالرتب، فالقيادة فتحت أمام المرأة المجال وهي أثبتت كفاءتها". 
وكان لافتًا في العيد الـ77 للجيش اللبناني أنّ الأوائل من الذين تخرجوا هذا العام هم إناث.
تشدّد المصادر العسكرية على أنّ الأمن الاجتماعي هو أكثر ما يُقلق الجيش في هذه المرحلة وقد حذر قائد الجيش كثيراً من هذا الأمر، فضلًا عن أنّ معركته اليوم لمكافحة المخدرات. 

شعار عيد الجيش لهذا العام "وما مننكسر" خير دليل على تصميم المؤسسة على المضي بكل عزيمة وإصرار على صون الأمن والسلم الأهلي اللذين تعتبرهما القيادة خطاً أحمر.