«الارتباط بشريك يعمل في المهنة نفسها حمّال أوجه؛ لكن أهم ما فيه هو مساحة الاهتمام المشترك بين الزوجين، وهذا الأمر يجعل مجال الحوار مفتوحاً بشكل دائم ومفيداً للطرفين؛ خصوصاً إذا كان بينهما نوع من الصداقة المثمرة إلى جانب مشاعر الحب والاحترام. ولعل الأفضل للزوجين اللذين يتشاركان المهنة نفسها ألا يعملا في المؤسسة نفسها، وهذا هو حالي ورابعة. نعمل في المجال نفسه؛ لكن لكل منا مؤسسته وعالمه وطبيعة برامجه المختلفة عن الآخر. نتشارك هموم المهنة وشؤونها وشجونها؛ لكن لكل منا خصوصيته وخصوصية المؤسسة التي يعمل فيها أو معها. العمل في مهنة مشتركة جميل وإيجابي، أما العمل في مؤسسة مشتركة فقد يكون مربكاً للطرفين؛ بحيث إن أي أمر يحدث داخل المؤسسة مع أحدهما ينعكس على الآخر». هكذا يختصر الإعلامي اللبناني زاهي وهبي في حديث لـ«الشرق الأوسط» تجربته مع الزواج من زميلته الإعلامية رابعة الزيات.
فظاهرة الشراكة ودخول «القفص الذهبي» بين نجوم الإعلام في لبنان رائجة منذ زمن طويل. وإذا ما حاولنا تعداد «ثنائياتها» المشهورة فلا بد أن نتذكر مذيعة الأخبار في «تلفزيون لبنان» شارلوت وازن الخوري، وزوجها الراحل إبراهيم الخوري الذي شغل إدارة إذاعة «صوت لبنان» و«تلفزيون لبنان» لفترات طويلة. كذلك يذكر كثيرون زيجات كميل منسى ومي (عبد الساتر) منسى، اللذين شكلا ثنائياً بارزاً قبل وقوع الطلاق بينهما. ومن الأسماء التي حُفرت في ذهن اللبنانيين أيضاً كثنائي إعلامي متزوج، سعاد قاروط وأحمد العشي اللذان عاشا زمالة طويلة في «تلفزيون لبنان» تحوّلت إلى قصة حب انتهت بالزواج. ولعل من الأشهر أيضاً كريستيان أوسي ونعمت عازوري، وجورج ودوللي (صبّاغ) غانم، مذيعا الأخبار في تلفزيون «إل بي سي» سابقاً. وتطول لائحة الشركاء الحديثين في هذا المضمار، أمثال يمنى وسعيد الغريب، ورابعة الزيات وزاهي وهبي، ونانسي السبع وفراس حاطوم، ورياض قبيسي وجوزفين ديب، وأيمن القيسوني ونسرين زريق، وغيرهم كثر.
وكل هؤلاء نماذج معروفة في المؤسسة الزوجية، جمعتهم المهنة في مؤسسات إعلامية واحدة. فكان اللقاء ومن ثم النظرة فالسلام والكلام، ومن بعدها الزواج.
نجومية من نوع آخر
عادة ما تشغل أخبار المشاهير الناس على مختلف أطيافهم. والأمر يتضاعف عندما يصلهم خبر ارتباط نجم بآخر. فيذيع الخبر وتبقى أصداؤه حاضرة لفترة في أحاديث الصالونات والجلسات الضيقة والواسعة. ولعل اهتمام هؤلاء المشاهير بنشر هذا الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعلى صفحات «إنستغرام» و«فيسبوك» مع تفاصيل حفل العرس بالصوت والصورة، يدفع بالناس أكثر فأكثر إلى ملاحقتهم وتتبع أخبارهم.
ويعلق الإعلامي فراس حاطوم المرتبط بزميلته المذيعة التلفزيونية نانسي السبع: «قد نكون عشنا هذه النجومية، نانسي وأنا في البداية؛ لكننا في الواقع لا نهتم كثيراً بهذا الموضوع. ولا نحاول استثماره لزيادة شهرتنا، إلا أن طبيعة عملنا تحت الضوء تسهم من دون شك في هذا الأمر».
بين البيت والعمل
يلفت الحوار مع الإعلاميين المرتبطين بزملاء المهنة إلى «التفاهم» الذي يسود علاقتهم الزوجية. وهنا يقول زاهي وهبي: «برأيي، أهم ما في المهنة المشتركة بين الزوجين هو ما يتبادلانه من خبرات وحوارات وتجارب، فضلاً عن كونهما يفهم بعضهما بعضاً أكثر، انطلاقاً من فهمهما للمهنة ومستلزماتها ومتطلباتها، بحيث لا يقف أحدهما عقبة في وجه الآخر وتطوره المهني؛ بل يغدو داعماً ومشجعاً على التقدم والنجاح». ويتابع: «أنا شخصياً أشهد على الجهد الذي تبذله رابعة مهنياً، وعلى الوقت الذي تمضيه في سبيل مهنتها وبرامجها وسعيها الدائم للتقدم والنجاح، وهذا أمر يسعدني ويحفّزني بطبيعة الحال».
الإعلاميان دوللي وجورج غانم، المتزوجان منذ عام 1987، تسود علاقتهما الزوجية «السلاسة والتفاهم» كما تقول دوللي، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط». ثم تضيف: «عندما يعمل زوجان في المهنة نفسها، فإنهما يكونان على علم مسبق بطبيعة المشكلات والمصاعب التي يمكن أن تواجههما. لذلك يكون همهما واحداً حتى خلال البحث عن حل له. جورج وأنا عرفنا كيف نفصل علاقتنا الزوجية عن علاقتنا العملية. فهو كان مديري في (المؤسسة اللبنانية للإرسال)؛ لكننه لم يفرّق يوماً بطريقته في التعاطي بيني وبين زملائي. وأنا كنت أتفهَّم هذا الأمر؛ لأن المصداقية في العمل من أساس مبادئنا». وتتابع دوللي غانم: «كنا ولا نزال شركاء في العمل وفي المنزل، أساعده ويساعدني، أتقبل ملاحظاته، والعكس صحيح. حتى عندما حصل الخلاف مع (المؤسسة اللبنانية للإرسال)؛ حيث كنا نعمل معاً، غادرتها أنا قبله، وهو لم يتدخل، حتى أنه لم يتخذ موقفاً سلبياً تجاه المؤسسة. فكل واحد منا كان يتخذ قراره بحرية ومن دون ممارسة أي ضغط من طرف على الآخر».
الإيجابيات تفوق السلبيات
عادة ما يظن البعض أن وجود الزوجين بشكل دائم في المكان نفسه هو أمر يبعث على القلق أو الملل، وخصوصاً أن الروتين بمرور الوقت يقتل الحب. هذا هو رأي الإعلاميين أيضاً؛ غير أنهم يجدون في الشراكة هذه إيجابيات كثيرة تفوق السلبيات التي قد تشوب زيجات أشخاص آخرين. وهنا يعلق حاطوم الذي يعمل في مجال الصحافة التوثيقية والاستقصائية، بينما تعمل زوجته في تقديم البرامج الحوارية السياسية، فيقول: «مرات كثيرة أتحمس للوصول إلى المنزل والالتقاء بنانسي، كي أخبرها عن قرار أو مشكلة عليَّ البت فيهما. هذه الشراكة بيننا تقوينا، وخصوصاً أنها الوحيدة التي تستطيع أن تتفهم المشكلة وتفرعاتها تماماً مثلي... لكوننا نعيش في بيئة مهنية واحدة. ثم إن هناك مسافات دائمة تفصل بيننا في العمل؛ لأننا نعمل في مجالين مختلفين، رغم وجودنا في المؤسسة ذاتها».
وما يقوله فراس يطبَّق أيضاً على الصحافية فاتن قبيسي، زوجة الإعلامي عماد مرمل التي تقول لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد: «الإيجابيات كثيرة في زواج من هذا النوع. وهو ما يوثق علاقة الشريكين ويجعلها متلاحمة بشكل أفضل». وتتابع: «هذه الشراكة تحضر دائماً وأبداً بيننا... عندما نكتب يستشير بعضنا بعضاً. وكذلك الأمر عندما ننوي عنونة مقالة ما».
تنافس المهنة
التنافس في أي مهنة حق مشروع وطبيعي، ولكن بين زوجين يعملان في المهنة ذاتها -وفي الإعلام بالتحديد– أيٌّ من الزوجين يحظى بالنجومية أكثر؟ ومَن يتنازل عنها لصالح الآخر؟ ولماذا؟
رابعة الزيات، زوجة زاهي وهبي، واحدة من المعجبات بعمله وبقصائده الشعرية حتى قبل ارتباطها به، وخلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» قالت: «أنا أعتبر نفسي متزوجة من شاعر؛ لأن نمط الحياة الذي يتبعه يسوده الهدوء بعيداً عن الصخب المرافق لمن تدور مهنته تحت الضوء». وأردفت: «لم يقف زاهي يوماً حجر عثرة في طريقي أو حاول عرقلتي، فأنا شخص طموح جداً، نشيطة كالنحلة، وزاهي تركني ألحق بأحلامي ودعمني لتحقيقها. في المقابل لا بد من أن نخسر فرصاً كثيرة مرات، من باب التنازل والتضحية، ولاستدراك موقف قد يؤذي الآخر... لكن في علاقتنا لا قمع ولا غيرة ولا عدم ثقة؛ بل نسبة احترام مرتفعة، وهي التي توقد الحب وتغذيه برأيي».
ومن جهتها، تؤكد دوللي غانم أن إغراءات المهنة كثيرة، وأن من مصاعب حياة زوجين إعلاميين هي المسؤوليات، وما ينتج عنها من تضحيات. وتوضح: «مهنتنا فيها مخاطر وإغراءات وتضحيات كثيرة، ومن هذا المنطلق يحاول الرجل الإعلامي إبعاد زوجته الإعلامية عنها كي يحميها. وبالنسبة لجورج زوجي فإن العائلة عنده فوق كل اعتبار، وأنا أوافقه الرأي. ولذلك كان عليَّ مرَّات أن أضحي بموقع أهم أشغله أو يُسهم في تقدّمي كإعلامية من باب قناعتي هذه. هذا الأمر انعكس إيجاباً على جورج، فكنا متفاهمين عليه منذ البداية... ولقد كان عندنا الوعي الكافي للتعامل مع موضوع النجومية منذ بداية ارتباطنا. وبالتالي، كنا محصنين سلفاً ضد وهجها وضد التكبر والشعور بالغيرة من نجاح الآخر».
عن خيبات أمل
أخيراً، لا تخلو زيجات الإعلاميين من خيبات الأمل التي يمكن أن يعيشوها كغيرهم. فأحياناً تحملها لهم الحياة من دون سابق إنذار. ومرات يتوقعونها بفضل عملهما في المؤسسة نفسها. فما طبيعة خيبات الأمل في حياة الزوجين الإعلاميين؟ تردُّ رابعة: «لا شك في أن هناك خيبات عشناها بسبب المهنة، ولا سيما في أيامنا الحالية. وهي تتعلق بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي والتلفزيوني الذي وصلنا له اليوم. فهذا الأخير بات في تراجع مستمر بفضل زمن وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات وغيرها. وهناك خيبات نعيشها ونتشارك فيها مع زملاء آخرين خاصة بالمهنة وبالمستوى الذي وصلته اليوم؛ لكننا نحاول تجاوز هذه الخيبات». أما دوللي فتقول: «الخيبات كثيرة، ومرات أحدّث نفسي فأقول: كان من الأجدى بنا ألا نعمل في المؤسسة نفسها. فنشعر جورج وأنا وكأننا لم نحمِ أنفسنا على المستوى المطلوب من غدرات الحياة. ولكن –إجمالاً- تجربتنا سلسة، لا صعوبات تُذكر فيها». وتدلي نانسي بدلوها قائلة: «لا يمكنني تسميتها خيبات أمل بقدر ما هي صعوبات نجتازها متكاتفين. حياتنا فيها كثير من الإثارة؛ لأننا على تماس مباشر مع ما يحصل على الأرض. وبالتالي فإننا نسجِّل غياباً ملحوظاً عن منزلنا وعن ابنتي سما... وهمنا الأوحد هو تنظيم هذا الغياب عنها كي لا تتأثر به سلباً».