Advertise here

الملف النووي والحرب الكلامية

11 آب 2022 09:02:00

تعقد في مقر هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، جلسات مراجعة اتفاقية الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، بعد تأخر سنتين بسبب تفشي وباء «كورونا»، ويستمر انعقاد الجلسات على مدى كامل أيام عمل آب/أغسطس، وهي المراجعة العاشرة للاتفاقية التي وُضعت حيز التنفيذ عام 1970، وانضمت إليها 191 دولة، باستثناء الهند وباكستان وإسرائيل وجنوب السودان، وانسحبت منها كوريا الشمالية عام 2003. والتقديرات تؤكد وجود ما يزيد على 22 ألف رأس نووي في العالم، تمتلك أكثر من ثلثيها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

ساعدت الاتفاقية الدولية في الحد من انتشار الأسلحة النووية على مدى 50 عاماً، وبينما كان متوقعاً أن تدخل إلى النادي النووي العسكري 30 دولة، إضافة إلى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، فقد انحسر التفلّت بأربع دول، وهي الهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية، ويحيط الغموض بالملف النووي الإيراني الذي يخضع لمفاوضات دولية، بينما كانت إيران قد وقّعت على اتفاقية منع الانتشار.

اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية تتضمن ثلاث فقرات رئيسية: الأولى تحذر الدول من شراء ونقل الأسلحة النووية، وعدم إنتاج أي صناعة نووية عسكرية، بما في ذلك معدات الإطلاق والنقل، ومنع الاتجار بهذه المواد على الإطلاق. والفقرة الثانية تنص على آلية لتدمير الأسلحة النووية الموجودة عند الدول التي امتلكتها قبل عام 1968، أما الفقرة الثالثة فتتضمن آلية لتنظيم الاستخدام السلمي للطاقة النووية، بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية المنوطة بها عملية المراقبة.

تأتي المراجعة العاشرة للاتفاقية الدولية هذا العام وسط أجواء مشحونة، على خلفية الحرب الأوكرانية، وبسبب التوتر الكبير الناتج عن الأزمة التايوانية. وسبقت مؤتمر المراجعة الذي انطلق في 1 آب/أغسطس، تهديدات نووية عالية النبرة استخدمتها روسيا عند بداية هجومها على أوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، وردٌّ واضح من وزير خارجية بريطانيا أكد فيه أن دول «الناتو» قد تستخدم الأسلحة النووية إذا ما تعرضت لعدوان.

الرئيس الأمريكي جو بايدن، دعا روسيا والصين، إلى المشاركة في مؤتمر المراجعة، والتعاون للتغلب على الصعوبات القائمة، وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالمناسبة: «لا يمكن أن يكون هناك طرف رابح في أي حرب نووية»، بينما دعا البيان الثلاثي الصادر عن فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى الحوار وتخفيف منسوب التوتر الذي قد يتفلّت في أي لحظة، وهو ما يجرّ إلى ويلات إنسانية لا يمكن تقدير نتائجها. أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس فقد أعلن النفير الدبلوماسي العام في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر في نيويورك، وقال: «إن العالم على بُعد خطوة غير محسوبة قد تؤدي إلى إبادة نووية شاملة».

تخيّم أجواء مخيفة على العالم وسط لحظة سياسية واقتصادية وصحية صعبة، والاتصال الهاتفي الطويل الذي جرى بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ في 28 من تموز/يوليو الماضي، لم يبدِّد المخاوف من احتمال اندلاع نزاعات عسكرية. فقد رفض بايدن تغيير الوضع القائم حول استقلال تايوان وتمتّعها بحكم ذاتي منفصل عن الصين، لكن جين بينغ قال له: «رجاء لا تلعبوا بالنار»، فالصين تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها، وتتحين الفرصة لإعادتها إلى السيادة الصينية، وقد رفضت بكين بقوة، زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى الجزيرة، وهي تجري مناورات عسكرية ضخمة في المياه الإقليمية التي تحيط بتايوان.

الحرب الكلامية الحامية بين المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وبين المعسكر الشرقي الروسي الصيني، تأخذ أبعاداً خطرة، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها مثل هذا التشنج العالي المستوى منذ عام 1963. والاختلافات السياسية والتجارية والأمنية بين المعسكرين تتوسّع يوماً بعد يوم. فالأزمة الأوكرانية التي تُقلق أوروبا مستمرة بوتيرة متزايدة، ومساعدات أمريكا والاتحاد الأوروبي لأوكرانيا لم تأتِ بالنتائج العسكرية الملموسة. وعلى العكس من ذلك، فإن الأعمال الحربية الروسية تحقق نجاحات، بينما تقضّ الأزمة النفطية الخانقة الناتجة عن حرب أوكرانيا، مضاجع الدول الأوروبية، وقد أدت إلى زيادة التضخّم في منطقة اليورو، وهذه المنطقة تخاف من شتاء بارد على وقع شح الإمدادات الروسية من الغاز، من دون أن تعثر القارة على موارد بديلة كافية عن هذا الغاز من أماكن أخرى من العالم.

وقديماً قيل: الحرب بدايتها كلام.