Advertise here

ترسيم حدود الصراع وحدود البحر!

10 آب 2022 08:47:41

قلّما إكترث الإحتلال الإسرائيلي للدماء الفلسطينيّة، لا بل على العكس هو يسعى في كل محطة ومنعطف لإراقة أكبر كميّة منها إنطلاقاً من نظريّته القائمة على العنصريّة والفوقيّة.

 

من معايير نجاح القيادة في إسرائيل هي إسقاط أكبر عدد من الضحايا الفلسطينيين الأبرياء، والأطفال منهم تحديداً.

طبعاً، مسألة القوانين والمواثيق الدوليّة ومسألة حقوق الإنسان لا تقع ضمن حسابات أيّة عمليّة عسكريّة إسرائيليّة والتاريخ يشهد على ذلك.

 

كما أن الصراعات السياسيّة في الداخل الإسرائيلي بين رئيس الوزراء الجديد يائير لابيد وزعيم "الليكود" الذي أمضى مدة طويلة في رئاسة الوزراء بنيامين نتنياهو "تحتّم" على المسؤولين الإسرائيليين الإنغماس في حربٍ ما ضد الفلسطينيين وإلا يصبح حضورهم "الوطني" موضع شكوك وتساؤلات.

 

إراقة الدماء الفلسطينيّة تُعتبر من الممرات الإلزاميّة لترقي السلم السياسي الإسرائيلي. بقدر ما يتطرّف المسؤول الإسرائيلي ضد الفلسطيينيين بقدر ما تتسع شعبيّته. إنه الإتجاه المتنامي في المجتمع الإسرائيلي نحو يمين اليمين. لم يكن اليسار أفضل حالاً إذ أن حكوماته لم تُقصّر في الغزوات الخارجيّة ضد لبنان والأراضي الفلسطينيّة.

 

في الحسابات العسكريّة التي لا تقيم إعتباراً بشكل دائم للأبرياء، ثمّة توازناتٍ لا يمكن إغفالها أو القفز فوقها. منظومة القبّة الحديديّة، رغم تكاليفها المرتفعة وتقنياتها الحديثة، لا تنجح في صدّ وابل الصواريخ التي تنهمر على المناطق المحتلة المختلفة. كما أن إنتقال الصراع إلى داخل أراضي فلسطين بعد أن كان على ضفافها، غيّر الوقائع العسكريّة والجغرافيّة.

 

المهم في كل هذا النقاش السياسي ليس إعادة التأكيد على العدوانيّة الإسرائيليّة التاريخيّة، وهو أمر ثابت بالوقائع التاريخيّة والبراهين التي تكاد لا تُعدّ ولا تُحصى. المهم ألا تُستخدم الورقة الفلسطينيّة مرّة أخرى في إطار الصراعات الإقليميّة، وفي إطار تعزيز القدرات التفاوضيّة لهذا الفريق أو ذاك في حساباته الدوليّة ومآزقه الداخليّة.

 

والمهم أيضاً ألا يقع الشعب الفلسطيني الأعزل، مرة أخرى، ضحيّة ليس فقط الوحشيّة الإسرائيليّة؛ بل أيضاً ضحيّة المحاور الإقليميّة التي- وإن كانت تدعمه شكلاً وتمدّه بالسلاح- إلا أنّها لا تكترث بالعمق لأية خسائر يتكبدها على المستوى الإنساني وحتى على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي.

 

في أي نزاع عسكري بين إسرائيل والفلسطينيين، لا يسع المرء إلا الإنحياز الفوري ودون تردد إلى الشعب الفلسطيني الذي يناضل منذ عقود لقيام دولته المستقلة. ولكن هذا الانحياز لا يلغي ضرورة التحذير من الاستغلال السياسي للوحشيّة الإسرائيليّة والإستغلال الممكن للفلسطينيين في آن واحد.

 

أما في لبنان، ورغم المأساة التي ترتسم على جبهات الأسر الفلسطينيّة المنكوبة، فلا مفر من التأكيد على ضرورة عدم زج لبنان في صراعاتٍ أكبر منه، وبذل الجهود للنفاذ بملف ترسيم الحدود البحريّة وذلك من خلال الإقلاع عن السياسات الشعبويّة التي كانت كفيلة بتدمير لبنان وإغراقه في مآزق سياسيّة وإقتصاديّة وإجتماعيّة وماليّة غير مسبوقة.

 

لقد أهدر لبنان ما يكفي من الوقت في سجالات عقيمة بين الخطوط البحريّة وإمتدادتها الإقليميّة، لم تخلُ بطبيعة الحال من المزايدات الشعبويّة في السيادة وغير السيادة، بحيث سرعان ما إلتحقت بها حملات فولكلوريّة الطابع في الناقورة من دون الاستناد إلى الحد الأدنى من الواقعيّة السياسيّة أو الركون إلى قدرٍ من العقلانيّة المطلوبة في قضيّة على هذا القدر من الحساسيّة والدقة ولها تداعياتها الكبيرة على الأجيال المستقبليّة والمسارات اللبنانيّة المقبلة.

 

يستطيع العهد الراحل، بما تبقى له من أسابيع معدودة، أن يُسجّل لنفسه إنجازاً يتيماً، من خلال الإسراع في إنجاز ملف ترسيم الحدود البحريّة بعدما سجّل فشلاً في الكثير… ومنها ترسيم الحدود البريّة مع حليفته سوريا!