Advertise here

هل أسقطت إسرائيل وحدة الساحات؟

10 آب 2022 07:03:58

ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها غزة للعدوان والإجرام الإسرائيليين والتي تبقى خلالها الجبهات الأخرى ساكتة وساكنة من دون حركة أو رد فعل عسكري على ما يصيبها. وليست المرة الأولى التي يشهد الاعتداء على القطاع تضامناً خارجياً واسعاً بعدما نما الوعي وسط الرأي العام الغربي وتطور، إزاء المظلومية الفلسطينية التي تسببها القيادة الإسرائيلية المتطرفة والدينية، التي تزداد صعوداً في الإمساك بزمام الأمور في تل أبيب.

لكن حتى إطلاق صواريخ الكاتيوشا من منصات "بدائية" الصنع (كما اعتادت بيانات الجيش أن تسميها) من منطقة الرشيدية قرب صور، والتي عادة ما يقوم بها "حزب الله" أو جهات فلسطينية حليفة له، ويطلب من مسميات في المخيمات أن تتبناها، لم يحصل خلال المواجهة التي جرت في القطاع هذه المرة.

 

منذ توقيف القيادي في "الجهاد الإسلامي" الشيخ بسام السعدي في جنين في الضفة الغربية قبل أسبوع، وصولاً إلى اغتيال القيادي في التنظيم تيسير الجعبري في منزله وصولاً إلى اغتيال عدد من قيادييه وما تخلل العمليات الإسرائيلية من قصف على المواقع الإسرائيلية، ورد من الجيش الإسرائيلي أدى إلى سقوط عشرات المدنيين الفلسطينيين، اقتصر التضامن على البيانات والمواقف الإعلامية. حتى في غزة نفسها، حركة "حماس" وسائر الفصائل الفلسطينية بقيت خارج المواجهة، التي شاركت فيها لجان المقاومة الشعبية فقط. قد يكون السبب أن إسرائيل هي التي بادرت من دون أي التباس. 

 

فهذه المرة لا يحتاج الأمر إلى اجتهادات من أجل إثبات أن الجيش الإسرائيلي هو المبادر باعتراف رئيس الوزراء يائير لبيد بأن العملية العسكرية حققت أهدافها ولا ضرورة لاستمرارها. ولربما هذا ما دفع "حماس" وفصائل فلسطينية إلى الإحجام عن المشاركة في تصعيد الرد، لتفادي الانجرار إلى معركة حددت إسرائيل توقيتها، وليس الفصائل أو إيران التي كانت لها يد في بعض المواجهات السابقة لأهداف تتعلق بمجريات وتعقيدات مفاوضاتها مع أميركا حول النووي، أو مواجهاتها مع إسرائيل جراء الضربات التي توجهها الأخيرة لها سواء على الأرض الإيرانية، أو في سوريا. ومنذ بداية عملية "الفجر الصادق" الإسرائيلية اتفق التقييم الداخلي للفصائل الفلسطينية على أنها محدودة ولا مصلحة في هذه الظروف في تطورها.

 

لكن العملية وفق التقييمات الفلسطينية استهدفت كسر القاعدة التي سعت الفصائل في غزة إلى تكريسها حين أمعنت إسرائيل في الضغط على فلسطينيي القدس في حي الشيخ جراح في شباط ثم في أيار الماضيين، وهي ربط ردود الفعل الفلسطينية بين ما يجري في الضفة وبين غزة.

 

إلا أن هناك أبعاداً أخرى لها علاقة بلبنان في العملية الإسرائيلية الأخيرة التي ساهمت ضغوط غربية ومصرية في ضبطها. أحد هذه الأبعاد أن إسرائيل استهدفت كسر قاعدة "وحدة الساحات" التي تعمل عليها إيران وروّج لها باندفاع "حزب الله"، في ردود الفعل ضد إسرائيل منذ اغتيال قائد قوة القدس في "حرس الثورة" قاسم سليماني في بغداد مطلع العام 2020 . قضى مبدأ "وحدة الساحات" بأن يرد محور المقاومة على استهدافه أينما كان، بعمل عسكري من سائر الجبهات التي لطهران نفوذ فيها. فالحزب صنف بعض عملياته المحدودة من لبنان ضد إسرائيل، على أنها رد على استهدافه والميليشيات الموالية لطهران في سوريا. وهكذا جرى تصنيف بعض القصف الحوثي للسعودية، وكذلك تولي بعض فصائل "الحشد الشعبي" استهداف مراكز أميركية في العراق...

 

البعد الآخر أن إسرائيل مارست هذه المرة أسلوب الاغتيالات بالطائرات المسيّرة نتيجة معلومات استخبارية، لإزاحة قياديين مهمين في "الجهاد الإسلامي". وإذا كان بعض قادتها اعتبر أن ما قامت به هو نموذج عما يمكن أن يحصل في لبنان في حال اندلعت مواجهة مع "حزب الله" فيه، إذا نفذ تهديداته لحقل "كاريش" وما بعد "كاريش"، فإن الأمين العام السيد حسن نصر الله استشعر ذلك الخطر حين قال أمس إن "أي اعتداء على أي إنسان في لبنان لن يبقى من دون عقاب ولن يبقى من دون رد". فوحدة الساحات اقتصرت على التضامن اللفظي ليس أكثر. فإيران في خضم التفاوض الجدي حول النووي هذه الأيام.

 

هل يصدق استنتاج بعض المحللين أن إسرائيل مارست هذه المرة "وحدة الساحات" على طريقتها، بدلاً من أن يمارسها محور المقاومة، في عملية استباقية لتهديدات نصر الله لاستخراجها النفط وتلغاز من كاريش، أم أنها استبقت التنازلات التي تضغط واشنطن عليها لتقديمها في شأن ترسيم الحدود مع لبنان، للتغطية عليها بالعمل العسكري الذي نفذته، وضحيته هم الفلسطينيون كما في كل مرة؟