Advertise here

البطريرك الكبير

12 أيار 2019 11:27:00 - آخر تحديث: 12 أيار 2019 11:30:12

صالح حديفه

التقيتُ الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير مرةً واحدة بشكل مباشر وكان ذلك في العام 2009. لكنّي كنت التقيت – كما سائر اللبنانيين الوطنيين الأحرار- دوره الوطني منذ العام 1999 كطالبٍ في الجامعة اللبنانية ومن المقلب الآخر في الحياة السياسية اللبنانية، وما لبثت التطورات التي ساهم فيها البطريرك بنفسه أن جمعت المقلبين معاً في بوتقة وطنية واحدة.

وقد كان لتلك المرحلة وما تلاها وصولاً للعام 2010 تأثيرها المباشر على التاريخ السياسي الحديث للبنان وعلى حياة اللبنانيين. وكان فيها البطريرك صفير رجل الكلمة الحرة والرأي الواضح – أعجبك رأيه أم لم يعجبك.

في العام 2009 قصدنا بكركي كفريق عمل من الشباب اللبناني في إطار مجموعة مدنية سياسية سُمّيت "حكومة الظل الشبابية" التي كان وضع أُسسها الشهيد جبران تويني وأقرّ مجلس الوزراء كيانها بعد استشهاده. استقبلنا الكاردينال صفير في مقره في البطريركية المارونية حيث سلّمته بصفتي المنسّق العام للحكومة الشبابية برنامج عملنا الذي كنا نسمّيه "البيان الوزاري الشبابي"، وعرضنا له مختلف ما كنا ننوي يومها القيام به، وقد شجّعنا على مواصلة العمل وعدم اليأس والاستسلام لما يمر به البلد من مطبات ومصاعب، وأن نقدم لبلدنا ما باستطاعتنا "من خلال الاستقامة وروح العدالة" والمواطنة الصالحة، لأن "المواطنين يجب أن يكونوا في خدمة وطنهم لا سيما الذين هم في مواقع السلطة وعدم استخدامها لأغراض شخصية انما لفائدة عامة الناس وليس لتعزيز مواقعهم وثرواتهم ومصالحهم الخاصة". وأذكر مما قاله أمامنا أيضاً: "هذا البلد بلدنا، وأنتم لا تزالون شباباً والمستقبل أمامكم، وهناك قول مأثور: لا تبحث عمّا يقدمه وطنك لك انما عما تقدمه أنت له".

المؤسف هذه الأيام التي نخسر فيها قامة البطريرك صفير، أن تلك المفاهيم التي عمل لها طيلة مسيرته الكهنوتية والوطنية تضمحل تباعاً. إذ بتنا نرى كُثراً ممّن هم في مواقع المسوؤلية يعملون بما يخدم مصالحهم الأضيق من الشخصية، ولا بال لهم بمصلحة لبنان. يفتشون عما يمكن أن تفيدهم مواقعهم لأنفسهم لا أن يفيدوا البلاد. يتخبطون ويتخابطون ويتصارعون ويصرعون معهم البلاد والعباد، وغالبهم مستعد للتضحية بالجميع لمآربه الخاصة.

أما أنت أيها الكاردينال الوطني الراحل الملتحق بركب الكبار، طوبى لك في حياتك التي ناضلت فيها وكافحت وجاهدت ليتحقق لنا الاستقلال الثاني. ناضلت من موقعك وعلى طريقتك فكان أن أُعطي لك مجد لبنان. لا ضير إن اختلفنا معك في بعض ما قلت أو عملت واتفقنا في البعض الكثير الآخر. فهذه ميزة لبنان المتنوع الديمقراطي التي لطالما أردت تكريسها واستهدفوك لأجل ذلك.

برحيل الكادرينال صفير، ترحل صخرة عنيدة من صخور استقلال لبنان وحريته وسيادته. صخرة كانت شريكة "عمود السما" وليد جنبلاط لقيامة لبنان من حربه الأهلية وإعادة العيش الواحد إلى ربوعه. السلام لروح الكبار وأنت منهم أيها الكاردينال الكبير.