Advertise here

الارتياب المشروع من غموض المشروع الإيراني في سوريا

08 آب 2022 07:15:00

مجموعة من المؤشرات غير العادية تُلقي الضوء على خلفية الحضور الإيراني في سوريا، ومن المؤكد أن هذا الحضور لا يهدف الى دعم النظام القائم فقط، ولا هو بسبب الخشية من انتصار التيّار القومي العربي والأكراد، أو التيارات الإسلامية السنّية فيها. فالانفلاش الأفقي للمجموعات الموالية لإيران في البلدات والمدن التي تخضع لسيطرة الحكومة؛ ثُير الخشية من مشروع يهدف الى إحداث تغييرات ديموغرافية وعقائدية، تُبدِّل هويّة البلد، وتؤسّس لمشروع إمبراطوري جديد، يرتكز على عقيدة فقهية تلغي خصائص بلاد الشام، وتعود بالصراع مئات السنين الى الوراء، كانت تتنافس فيه الطموحات الصفوية الفارسية مع الطموحات الطورانية العثمانية، وقد سيطر الطرفان على المنطقة على حساب الحضور العربي.

تقول المعلومات التي نشرها مركز "جسور " للدراسات العسكرية؛ إن الحرس الثوري الإيراني يتمتع بنفوذ كبير على كل القواعد الجوية في سوريا، باستثناء تلك التي تخضع للنفوذ الروسي، ولديه سيطرة معقولة على عدد من فرق القوات البرية، كما له مونة كبيرة على إدارة مراكز البحوث والدراسات. وللميليشيات التي تدور في فلك الحرس الثوري أكثر من 469 مقراً عسكرياً، منها تابع لفيلق القدس، ومنها خاضع لمجموعات "حزب الله" و"الزينبيون" و"الفاطميون" و"عصائب أهل الحق".

وتشير معلومات منشورة في أكثر من موقع، إلى أنه تمَّ تأسيس 8 جامعات إيرانية وأكثر من 140 مدرسة في أنحاء مختلفة من سوريا، تقوم بتدريس المناهج التي تتلاقى مع الأهداف السياسية والعقائدية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. ونقلت قناة "الحدث" عن وجهاء من الطائفة العلوية غرب سوريا، أن هؤلاء رفضوا عرضاً نقله وفد ديني إيراني يقضي بترميم الجوامع والمزارات العلوية على نفقتهم. وأبدى وجهاء الطائفة الخشية من محاولات إيران تغيير الهويّة المذهبية الإسلامية للطائفة، وإخضاعها للعادات والتقاليد التي تعتمدها دولة ولاية الفقيه.

تستخدم إيران نفوذها في العراق لتقوية دورها في سوريا، وتوظِّف دورها في سوريا لتعزيز قبضتها على لبنان، والعكس صحيح؛ فإنها تستفيد من "حزب الله" في لبنان لاستكمال سيطرتها على سوريا، ومن سوريا تمارس الاستقواء على المتمرّدين على سياستها في العراق، وذلك وفق خطة بالغة الحِرفية، تستطيع معها توظيف الظروف لمصالحها، وهي تستفيد من التناقضات الإقليمية والدولية القائمة، للمناورة وكسب الوقت للانقضاض على مناوئيها في الوقت المناسب.

لا تتوانى الديبلوماسية الإيرانية عن تقديم الخدمات لأخصامها إذا ما كانوا يسبّبون الإزعاج لمعرقلي مشروعها، وشعار "نحن في خدمتكم" يسمعه منهم القريب والبعيد بأسلوبٍ لا ينقصه الدهاء، بينما الباطنية التي تمارسها هذه الديبلوماسية الفائقة الحذر، وهو الأسلوب الذي تعلّمه منهم حلفاؤهم القدماء والجُدد في لبنان وسوريا والعراق واليمن. في المقابل؛ فإن العطاءات السخيّة التي تحظى بها المجموعات الإرهابية مثل: ما بقي من "داعش" وفصائل في حزب العمال الكردستاني، وبعض المجموعات الأيزيدية المتمرّدة؛ تثير التساؤل، لأن المعلومات التي ينقلها متابعون لنشاط هؤلاء تؤكد أن رواتب هذه المجموعات تصلهم بطريقة غير مباشرة من قيادات موالية لإيران، وفي ذات الوقت، تنشط الدعاية الإيرانية على شيطنة هذه المجموعات، واعتبارها تهديداً خطيراً لأمن العراق وسوريا، وهو يبرّر لإيران انتشارها الأمني لمواجهة الفوضى التي تخلقها هذه الفصائل على حدّ زعمها.

من الواضح أن ثمة غموضاً يحيط بمرامي المشروع الإيراني في سوريا، والانفلاش الأفقي للمجموعات الموالية لها، لا يمكن أن يكون بهدف حفظ مصالح إيران الاقتصادية في تلك الدولة. والأحداث التي تجري في مناطق الجنوب السوري، ولا سيما في محافظتي درعا والسويداء؛ ليست بعيدة عن تأثيرات إيران. وقد أكدت الاشتباكات التي حصلت بين مجموعات مسلحة من المهربين وبين القوات النظامية الأردنية، أن غالبية الذين قتلوا كانوا من الفصائل القريبة من إيران، كما أن قادة الانتفاضة التي قام بها أهالي السويداء ضد مجموعات "راجي فلحوط" أكدوا وجود دلائل قاطعة على ارتباط هذه المجموعات بفصائل موالية لإيران، وأثبتت التحقيقات مع الناجين منهم؛ أن توجيهات تلقاها هؤلاء من قيادات في فصائل موالية لإيران وللنظام للقيام بعمليات تهريب المخدّرات، وتنفيذ تفجيرات وإغتيالات لترويع السكان.

مصادر مُطلعة على قمّة طهران التي عقدت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب اردوغان بضيافة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 19/7/2022؛ قالت إن هؤلاء لم يتفقوا على كيفية اقتسام النفوذ في سوريا، فتركيا ترغب في دخول الشمال وضمّ أجزاء من سوريا كانت من ضمن "الحدود الملِّية" قبل معاهدة سيفر في عام 1920، بينما إيران تريد أن تكون سوريا مسرحاً لنفوذها الإقليمي، ولن تتنازل عن سيطرتها على المفاصل الأساسية للدولة، أما روسيا فهي تتطلع الى الاحتفاظ بنفوذها الاستراتيجي في المناطق الساحلية، واستثمار نفط وغاز هذه المناطق، واستدامة قواعدها البحرية والجوّية فيها. فاكتفى القادة الثلاثة ببيان يحمِّل القوات الأميركية المتواضعة العدد المسؤولية عن الفوضى، ويؤكد شكلياً وحدة الأراضي السورية، بينما هذه الوحدة لا يمكن أن يهدّدها شيء إذا ما اتفق القادة الثلاثة ذاتهم على ذلك.