Advertise here

عن التخوين ومصطلحاته!

13 أيار 2019 08:05:00 - آخر تحديث: 13 أيار 2019 08:19:34

ليست إستعادة لغة التخوين والاتهام بالعمالة تفصيلاً بسيطاً في أدبيات حياتنا الوطنية والسياسية، فالمجتمع اللبناني مجتمع صغير ومتداخل والأخبار تنتشر فيه بسرعة النار في الهشيم، ومع تقدم وسائل التواصل الاجتماعي كأحد أبرز وسائط التفاعل الافتراضي، تضاعفت سرعة الانتشار والانتقال!

بإستطاعة مطبخ إستخباراتي صغير ان "يفبرك" رواية تخوينية لهذه الشخصية أو تلك عبر ابتداع أبطال وهمية ( أو حتى حقيقية) وأسماء مخترعة وأمكنة ومطاعم ومقاهي وأسماء شوارع وسوى ذلك من مستلزمات أي حبكة (ولو كانت الحبكة سيئة)، وسرعان ما تنتشر الرواية دون تدقيق!

 لا يهم اذا كانت الرواية المختلقة تتضمن تخويناً او حتى هدراً للدم! المهم تشويه الصورة والموقف وإيهام الرأي العام ان المعركة في مكان آخر وذلك في محاولة فاشلة وبائسة لصرف الأنظار عن القضية الأساسية.

الإنقسام بين اللبنانيين ليس مستجداً، وأغلب الظن أن الواقع السياسي اللبناني سيستمر على هذه الحالة لعقود الى الأمام. ولكن الإنقسام والاختلاف في الرأي السياسي شيء والاتهام بالتخوين والعمالة شيء آخر تماماً!

في أوج الانقسام بين اللبنانيين عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري سنة 2005، ازدهرت لغة التخوين ووصلت الى ذروتها عبر وسائل الاعلام ومن على المنابر السياسية والخطابية.

لكن، رويداً رويداً، وصلت القوى السياسية التي اعتنقت هذا الخطاب الى قناعة ان هذه المقاربات توصل الواقع السياسي الى حائط مسدود. فالمعادلات التاريخية في البلد واضحة، والتوازنات  الدقيقة التي يرتكز عليها النظام اللبناني محددة ومعروفة، والإخلال بها أدى في كل محطة وعند كل منعطف الى استيلاد التوتر والقلاقل والإضطرابات في البلد وصولاً في بعض الأحيان الى اندلاع دورات طويلة من العنف.

طالما أننا في نظام ديمقراطي حى إشعار آخر، فإن حرية الرأي والتعبير السياسي مكفولة لكل القوى السياسية، ومن غير المنطقي انتشار لغة التخوين في كل مرة يبرز فيها رأي سياسي يخالف السائد. لماذا لا تُقارع الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان؟ لماذا "شخصنة" الخلاف السياسي واطلاق النعوت والاوصاف القبيحة التي تعكس انحطاط مطلقيها وإفتقارهم الى الحد الأدنى من الاخلاق والثقافة السياسية، والاهم، إفتقادهم للحجة والقدرة على النقاش؟

فلنعد الى التاريخ! قليل من التواضع، وقليل من الأدب و"الحشمة" السياسية بدل الفجور على الشاشات وفي المقالات وفي وسائل التواصل الإجتماعي!

ختاما، إذا كان ثمة ما يفسّر (ولا يبرّر) هذه السلوكيات، والأدبيات، فهو وصول البعض الى الأفق المسدود... في السياسة وغير السياسة!