Advertise here

محكمة القضاء ومحكمة التاريخ!

06 آب 2022 08:22:28

نوعان من المحاكم شهدتهما البشريّة: المحاكم القضائيّة القائمة على تطبيق القوانين والتشريعات وإنفاذ العدالة الوضعيّة بين الناس، ومحكمة التاريخ القائمة على الأخلاق والضمير.

في قضيّة تفجير مرفأ بيروت، وفي ذكرى مرور عامين على وقوعه، قام المشتبه بهم بكل ما أمكنهم من جهود، قانونيّة وغير قانونيّة، بلفلفة الملف وتعطيل المسار القضائي والحيلولة دون الوصول إلى الحقيقة بالأدلة الدامغة والبراهين والمعطيات القانونيّة التي يُرسم على أساسها مسار التحقيق ويصدر تالياً القرار الإتهامي الذي يبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

لقد توسل هؤلاء المشتبه بهم كل الأساليب الممكنة في المسارات القضائيّة لرد الدعاوى في الشكل والمضمون وضمن المهل القانونيّة وخارجها، فضلاً عن الإمتناع عن المثول أمام القضاء وصولاً إلى ممارسة أساليب الترهيب الأخرى التي أدّت إلى تنحي القاضي الأول، إلا أنها لم تنجح في تنحية القاضي الثاني على الرغم من تهديده بصورة مباشرة في قلب قصر العدل.

الهدف كان منذ البداية تمييع القضيّة من خلال إحالتها على ذاك الجسم الغريب المسمّى "المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء"، وهو كناية عن تركيبة غريبة لا تمّت في تكوينها أو أهدافها إلى صلب الفكرة القضائيّة والقانونيّة أو إلى مبدأ المحاسبة. فكيف يمكن أن يكون الطرف ذاته هو الخصم والحكم في آن؟ وكيف يمكن فصل عمل مجلس كهذا عن الاعتبارات السياسيّة والتحالفات الإنتخابيّة والاعتبارات المذهبيّة والطائفيّة التي تطبع كل حياتنا الوطنيّة بتفصيلاتها الصغيرة كما بمنعطفاتها الكبيرة؟

أساساً، لم يسبق أن قام هذا "المجلس" بأي عمل في نطاق إختصاصه القانوني، ولم يُسجّل له أي إجتماع أو النظر في شكوى أو التحرّك لملاحقة ملف وزير فساد، وما أكثرهم! لقد واظبت المجالس النيابيّة المنتخبة منذ سنة 1992 على تشكيله بصورة متعاقبة، ولكن لم يحدث أن كان فاعلاً في يومٍ من الأيّام.

من هنا، فإن فكرة إقامة مجلس كهذا، يكون موازياً بموقعه وصلاحياته ودوره للقضاء العادي، هي فكرة خاطئة من الأساس! لماذا يجب أن تكون هناك مؤسسة خاصة لمحاكمة الرؤساء والوزراء؟ لماذا لا يخضعون للقانون كسواهم من المواطنين وتنطبق عليهم الإجراءات القضائيّة المرعيّة الإجراء وفق القوانين النافذة؟ والسؤال يطرح نفسه أيضاً بالنسبة إلى القضاة، لماذا يُحاكم القضاة أمام محاكم خاصة؟

ليس هناك ما يميّز المسؤول السياسي عن سواه من المواطنين لناحية الإمتيازات المماثلة. على العكس تماماً، المسؤول إنتُخب إلى موقعه لتمثيل المواطن الذي يمنحه وكالته للقيام بدور لا يضعه في مستوى أعلى أو يمنحه حصانة تخوّله مخالفة القوانين.

إذا تمكّن بعض المشتبه بهم من الفرار المؤقت من محكمة القضاء، فإنهم لن يتمكنوا من الفرار من محكمة التاريخ وهي الأهم!