رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى جزيرة تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، أطلقت بكين حملة إدانة دبلوماسية واسعة النطاق بالتزامن مع انطلاق أهم مناورات عسكرية في تاريخ جيشها، تخلّلها تدريبات وإطلاق صواريخ باليستية "عدة" في المياه المحيطة بتايوان، وهي المرة الأولى التي يطلق فيها جيش التحرير الشعبي الصيني ذخيرة حية، ونيران مدفعية بعيدة المدى، فوق مضيق تايوان" وفق ما أكّده المتحدث باسم قيادة المسرح الشرقي للعمليات، الكولونيل شي يي، إنّ قواته "شنّت هجوماً بقوة الصواريخ التقليدية متعددة النماذج على مناطق بحرية محددة سلفاً قبالة الجزء الشرقي من جزيرة تايوان". وأضاف أنّ "جميع الصواريخ أصابت الهدف بدقة وجرى اختبار دقة الضربة وموانع دخول المنطقة".
وأعلنت القناة التلفزيونية الصينية الحكومية، "سي سي تي في"، بدء أكبر التدريبات حول تايوان. وقالت القناة في رسالة نُشرت على شبكة "ويبو" للتواصل الاجتماعي: "التدريبات بدأت".
وفور بدء المناورات، أكّد الجيش التايواني أنّه، "يستعد للحرب من دون السعي إلى الحرب". وقالت وزارة الدفاع التايوانية في بيان، "إنها ستلتزم مبدأ الاستعداد للحرب من دون السعي إليها".
بدوره اعتبر الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في تايوان، أنّ التدريبات العسكرية الصينية تثير التوتر في المنطقة، ووصفها بأنها غير مشروعة.
زيارة بيلوسي لتايوان التي أثارت غضب بكين، قال عنها الرئيس الأميركي جو بايدن بأنّها، "ليست فكرة جيّدة بنظر الجيش الأميركي" واستغرقت أقل من 24 ساعة، أكّدت خلالها بيلوسي أنّ، "الولايات المتحدة لن تتخلّى عن الجزيرة التي يحكمها نظام ديمقراطي، وتعيش تحت التهديد الدائم للغزو من قِبل الجيش الصيني". وقالت في بيان بعد مغادرتها تايبيه: "للأسف، تمّ منع تايوان من المشاركة في الاجتماعات العالمية بسبب اعتراضات الحزب الشيوعي الصيني"، وقالت "يمكنهم منع تايوان من إرسال قادتها إلى المنتديات العالمية، لكن لا يمكنهم منع قادة العالم، أو أي شخص من السفر إلى تايوان للإشادة بديمقراطيتها المزدهرة، ولتسليط الضوء على نجاحاتها الكثيرة، وتأكيد التزامنا باستمرار التعاون معها"، وتجدر الإشارة إلى أن بيلوسي هي أعلى مسؤول أميركي منتخب يزور تايبيه منذ 25 عاماً.
وتعليقاً على زيارة المسؤولة الأميركية، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إنّ "الذين يسيئون للصين سيعاقبون حتماً". وكان وانغ يي قد ألغى اجتماعاً كان من المقرّر عقده مع نظيره الياباني على هامش اجتماع رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) في كمبوديا، احتجاجاً على البيان المشترك الذي أصدرته دول مجموعة السبع بشأن تايوان، حيث دعا وزراء خارجية مجموعة السبع (G7) ومن بينهم اليابان الصين، "إلى إنهاء التوتر في مضيق تايوان بطريقة سلمية".
وتؤكّد بكين أنّ هذه التدريبات، وغيرها التي بدأت في الأيام الماضية، هي "إجراء ضروري وشرعي" بعد زيارة بيلوسي. وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، أنّ التدريبات تهدف إلى محاكاة "حصار" للجزيرة وتشمل، "مهاجمة أهداف في البحر وضرب أهداف على الأرض والسيطرة على المجال الجوي". وتبقى فرضية غزو تايوان التي تضم 23 مليون نسمة غير مرجّحة، لكنها تعزّزت منذ انتخاب الرئيسة الحالية، تساي إنغ وين، في 2016، والتي ترفض الاعتراف بأنّ الجزيرة والبر الرئيس هما جزء من "صين واحدة".
بدورها أوضحت وزارة الخارجية الصينية في بيان من ثلاث صفحات أنّ، "الصراع الحالي المحيط بزيارة بيلوسي إلى تايوان، يُظهر أنّ الولايات المتحدة هي المحرّض، وأنّ الصين هي الضحية، وأنّ الاستفزاز المشترك من الولايات المتحدة وتايوان جاء أولاً، وجاء بعده رد الصين الدفاعي".
وأشار البيان إلى أنّه، "لا توجد في العالم سوى صين واحدة، وأنّ تايوان جزءٌ لا يتجزأ من الأراضي الإقليمية الصينية، وأنّ حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثّل الصين بأكملها. وقد تمّ التأكد من ذلك في القرار رقم 2758 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1971. ومنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، أقامت 181 دولة علاقات دبلوماسية مع الصين على أساس مبدأ الصين الواحدة. ويُعتبر مبدأ الصين الواحدة توافقاً عاماً لدى المجتمع الدولي، ومن المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية".
واعتبر البيان أنّ زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي إلى تايوان لها بعدٌ استفزازيٌ وسياسيٌ خطيرٌ لأنّها تخالف التعهّد الأميركي المنصوص عنه في بيان إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة عام 1979، والذي ينص على "أن الولايات المتحدة الأميركية تعترف بحكومة جمهورية الصين الشعبية الحكومة الشرعية الوحيدة للصين، ويبقي الشعب الأميركي على علاقاته الثقافية والتجارية والعلاقات الأخرى غير الرسمية مع أهل تايوان"، وبالتالي "فإنّ توجّه بيلوسي إلى تايوان، مهما كان شكله ومبرّره، يدفع إلى الارتقاء بمستوى التبادل الرسمي بين الولايات المتحدة وتايوان، وهذا ما لن يقبل به الجانب الصيني، ولن يوافق الشعب الصيني عليه".
ورأى البيان "إنّ مسألة تايوان أهم مسألة وأكثرها جوهرية وحساسية في العلاقات الصينية - الأميركية في الوقت الراهن بحيث يواجه الوضع في مضيق تايوان جولة جديدة من التوتر والتحديات الخطيرة، ويرجع السبب الأساسي لذلك إلى استمرار سلطات تايوان والجانب الأمريكي في تغيير الوضع القائم. فالجانب الأميركي يحاول "احتواء الصين باستغلال تايوان"، ويقوم بتحريف وتشويه وتفريغ مبدأ الصين الواحدة باستمرار، ويعزّز التواصل الرسمي بين الولايات المتحدة وتايوان، ويدعم الأنشطة الانفصالية لـ"استقلال تايوان". إنّ هذه التصرّفات خطيرة للغاية شأنها شأن اللعب بالنار، ومن يلعب بالنار سيحرق نفسه حتماً".
أضاف البيان، "إنّ الدفاع بحزم عن سيادة البلاد وسلامة أراضيها يمثّل إرادة راسخة للشعب الصيني البالغ عدده 1.4 مليار نسمة، وإنّ تحقيق إعادة التوحيد الكامل للوطن يمثّل رغبة مشتركة وواجباً مقدساً لجميع أبناء الشعب الصيني".
وأكّد البيان أنّ، "مسألة تايوان هي من الشؤون الداخلية الصينية، ولا يحق لأي دولة أخرى أن تكون حكماً في مسألة تايوان. لذلك تحثّ الصين الجانب الأميركي، بكل جدية وصرامة، على الكف عن احتواء الصين باستغلال تايوان من خلال اللعب بـ"ورقة تايوان"، والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية الصينية من خلال التدخل في شؤون تايوان، ويجب عليه اتّخاذ خطوات ملموسة للالتزام بمبدأ الصين الواحدة وفق ما ورد في البيانات المشتركة الثلاثة بين الصين والولايات المتحدة، وتنفيذ التعهدات ذات النقاط الخمس التي قطعتها القيادة الأميركية على أرض الواقع، بدلاً من التمادي في الطريق الخاطئ والخطير.
في المحصلة، لقد تسبّبت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان بردود فعل متناقضة داخل الولايات المتحدة وخارجها، وأطلقت جدلاً واسعاً حول سياسات الإدارة الأميركية، "التي ينبغي اعتمادها لمواجهة صعود الصين"، وطرحت وجهات نظر عدة، وأكثر من علامة استفهام حول تداعيات هذه الزيارة في ظل التطورات التي تفرضها الحرب الروسية - الأوكرانية، والدروس التي ينبغي الاستفادة منها، حيث بدأ العديد من المراقبين يسأل عما إذا كان الضجيج الذي رافق هذه الزيارة في الداخل الأميركي، هو "تبادل أدوار" بين أركان الإدارة الأميركية، وبالتالي يحمل رسالة ضمنية عن "تصعيد أميركي" مدروس لبدء تطبيق سياسة "احتواء الصين" استراتيجياً، أم أنّه علامة ضعف سياسي داخل الإدارة الديمقراطية، "بسبب عجز الرئيس عن ثني عضوة في حزبه عن الزيارة".