الرابع من آب مرّ للسنة الثانية على حقيقة يراد طمسها لتجهيل الفاعل والمسبّب. وإذا كان أهالي الضحايا والجرحى وسائر المتضررين يسعون إلى كشف الحقيقة في هذه المأساة، فإن الرأي العام أو ما يُعرف قانونا بالحق العام ينتظر معرفة من استقدم النيترات، ومن أمر بتخزينها، ومن غطى على هذا الفعل الذي يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية.
أمس في ذكرى مرور سنتين على انفجار المرفأ، خرجت تحركات وتظاهرات احتجاجية ومسيرات غاضبة لاسيما في محيط مرفأ بيروت والشوارع المؤدية إليه من ساحة الشهداء مرورا بمبنى جريدة النهار وصولا الى تمثال المغترب اللبناني والكرنتينا والصيفي والجميزة والرميل والأشرفية وجسر الواطي والدورة. أما المفارقة فكانت انهيار جزء آخر من اهراءات المرفأ في اليوم نفسه الذي دوى فيه الانفجار وأحدث تصدعات كبيرة في صوامع اهراءات القمح.
أما المواقف في الذكرى فكان الجامع فيها المطالبة باستئناف التحقيق وصولًا الى الحقيقة. الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في رسالة إلى أهالي الضحايا شدد على تحقيق العدالة من أجل طي الصفحة وإعادة بناء أنفسهم، وأن التحقيق المعلق منذ أشهر عدة يجب أن يستمر بمنأى عن أي تدخل سياسي، كما أكد أنه لن يستسلم ولن يدع لبنان ينهار ويختفي، وسيحافظ على هذا التوجه بحزم وواقعية وبراغماتية.
البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أشار في عظته في كنيسة مار جرجس المارونية وعلى مقربة من مكان انفجار المرفأ إلى ان المطلوب استئناف المحقق العدلي طارق البيطار عمله صونا للحقيقة. ومن جهته حمّل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الجميع مسؤولية انفجار المرفأ أمام الله وأمام الناس، وقال: "لا يمكن أن نستهين أو نستكين أو نتهاون في مطالبة المسؤولين المعنيين في الإسراع في كشف أسباب هذه الجريمة ومن يقف وراءها والمتسبب بها ومن قام بهذا العمل بتدمير بيروت"، مطالباً القضاء بأن "يبقى بعيدًا عن التجاذبات السياسية والإسراع بإظهار الحقيقة وتطبيق العدالة".
بدوره سأل متروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عودة عن الأسباب التي تجعل مقترفي جريمة المرفأ يتمتعون بحريتهم ويسرحون ويمرحون وكأن شيئاً لم يكن.
وأمام استمرار حال المراوحة في التحقيق، والذي يشكل أحد أبرز أسبابه تعطيل التعيينات القضائية، فإن الجهات التي تقف خلف ذلك هي نفسها عطلت البلاد ولا تزال تؤخر تأليف حكومة جديدة، وتلوح بفراغ رئاسي على وقع الرسائل المبكرة التي تشترط بطريقة تجعل الاستحقاق في مهب التأجيل. كل ذلك والمواطن وحده يدفع من حياته كل يوم التي دمرتها سياسات التعطيل والفشل والاستقواء منذ 6 سنوات قبل أن يدمرها انفجار مرفأ بيروت منذ سنتين.