Advertise here

رسائل لألكسندرا والياس وحمد وجو.. قصصنا ووجعنا ليست أرقاماً

04 آب 2022 21:24:51 - آخر تحديث: 04 آب 2022 21:55:14

 

أليس من سخرية القدر أن تشهد بيروت أكبر الانفجارات غير النووية في العصر الحديث، في الأسبوع الأول من شهر آب 2020، ومنذ 77 عاماً أيضاً في الأسبوع الأول من شهر آب ألقت الولايات المتحدة الأميركية قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية، منهيةً الحرب العالمية الثانية؟

تتشابه التواريخ، لكن طريقة التعامل مع هاتين الكارثتين تختلف، فاليابان "المنهزمة" حينها، وبعد 10 أعوام على الكارثة قامت ببناء متحف هيروشيما التذكاري للسلام على أنقاض المبنى الوحيد الذي بقي صامداً، وذلك لتقديم نظرة صادقة على التاريخ الذي بلغ ذروته بلحظة كارثية أثّرت في تاريخ البشرية. أما حكومة عهدنا القوي، وبعد مرور حوالي العام ونصف اتّخذت القرار بهدم الشاهد الوحيد.

فعشية الذكرى السنوية الثانية لانفجار الرابع من آب، الأهراءات التي بقيت الشاهد الوحيد على اغتيال ومأساة طالت بيروت، وسقط بنتيجتها 221 ضحية، بدأت تتهاوى مع انهيار الجزء الشمالي منها بالكامل.

ألا يعلمون أنّ الذاكرة حقٌ عام، والحفاظ  على الأماكن والمساحات التي شهدت على مآسٍ جماعية ضروري لقدرة المكان على تسهيل العلاج الجماعي. فموضوع الحفاظ على الذاكرة الجماعية ليس الهدف منه المزيد من التماثيل والهياكل، بل هو حاجة وضرورة لاستكمال الحداد، فلا يمكن فك الحداد دون إحقاق العدالة، وأيضاً لكي يبقى أمام أعيننا شيءٌ يذكّرنا بما حصل لكي لا يتكرر.

فلطالما شيّدنا تماثيلاً ونُصباً تذكارية لكل رموزنا الوطنية، أمّا تفجير مرفأ بيروت فترك لنا جزءاً منه، تلك الأهراءات، لتكون رمزاً يذكّرنا بالهيكل الذي امتصّ غضب الموت.

كانهيار أهراءات المرفأ في الذكرى السنوية الثانية للانفجار، تتهاوى آمال أهالي الشهداء والمصابين والمتضررين بإمكانية إحقاق العدالة وكشف الحقيقة وبلسمة الجراح.

تربّع تاريخ الرابع من آب على عرش ذكريات اللبنانيين الأليمة بجريمة أضرّت بالبشر والاقتصاد والحجر، عمالاً وموظفين، فضلاً عن آلاف الجرحى الذين لا يزال يقبع بعضهم في المستشفيات، أو في منازلهم معوّقين من آثار الانفجار. إضافةً إلى تدمير عشرات الآلاف من منازل الأبرياء، والمتاجر، والمطاعم، ودور العبادة، والمؤسسات الرسمية والخاصة.

آلاف.. مئات.. عشرات، لطالما تحوّلت قصصنا إلى أرقام وأعداد فارغة منذ أيام الحرب الأهلية، دون إعطاء أي أهمية للذاكرة الجماعية التي تبني هوية المجتمعات، أما ما بعد الرابع من آب فنقول إنّنا لن نسى، ونقول لـ:

ألكسندرا نجار، أتعلمين أنه أصبح لديك شقيقاً إسمه أكسيل؟ والدتك تقول إنّه يشبهك كثيراً. أنتِ لا زلتِ حاضرةً في كل زاوية من قلوبهم وذكرياتهم كما هو الحال داخل منزلكم الذي تملؤه صورك. 

إلياس خوري، أتعلم أنّ أحلامك لم تمت، لا بل أبت عائلتك أن يرقد طموحك وقرّرت أن تحييه لترعى مستقبل شباب وشابات ضاق بهم العيش، فأطلقت جمعيةً تحمل اسمك كي تحقق أحلام تلامذة في مجالَي الهندسة المعمارية والفنون اللتين كنتَ من هواتهما.

حمد العطار، لا زلتَ بالنسبة لوالدتك ابنها، "حمودي الحلو، والمليح، والعيونو عسلية".

جو نون، والدك بنى لك كنيسة مكان المنزل الذي أراده لك، وذلك تخليداً لذكراك.

أحداث كثيرة تغيّرت وتبدلت في حياة اللبنانيين عموماً، وذوي الضحايا خصوصاً، لكن الشيء الوحيد الذي لم يتغيّر هو أنّ الوجع والحزن مستمران فيما العدالة غائبة.

أرواح الضحايا يجب أن لا تمرّ من دون تحديد الأسباب والمحاسبة الصارمة عن هذا التقصير الفادح، والإهمال القاتل، سواءً كان مقصوداً أو غير مقصود. وهذا كلّه متروك للقضاء.