Advertise here

تحقيقات المرفأ رهينة.. واستقلال القضاء بوابة الحقيقة

04 آب 2022 08:21:45 - آخر تحديث: 04 آب 2022 14:28:52

منذ اللحظات الأولى التي لملم فيها اللبنانيون شتاتهم بُعيد انفجار مرفأ بيروت، كان اليقين بأن ما حصل جريمة جديدة ستّضاف إلى سلسلة جرائم حصلت في لبنان، لم تُعرف حقيقتها ولم يُحاسب المسؤولون عنها. ومع مرور عامين على التفجير، لم تُكشف حقيقة ما حصل، ولم يُعاقب أحد.

توقّف الملف عشرات المرات، وتحت ذرائع عديدة، تنوّعت ما بين طلب رد، طلب كف يد، ارتياب مشروع، مخاصمة دولة وغيرها، حتى وصل الأمر إلى التوقّف الأخير والطويل الأمد، والذي يعود سببه لعدم توقيع وزير المالية على مرسوم مرتبط بتعيينات محاكم التمييز.

ومع رفض جزء من اللبنانيين التحقيق الدولي، أو المحكمة الدولية، لجملة من الاعتبارات السياسية، فإن لا سبيل للوصول إلى الحقيقة إلّا من خلال القضاء المحلي، العاجز بسبب ارتباطه مباشرةً بالسياسة، وعدم تمتعه بالاستقلالية التامة، وغير القادر على كشف خيوط أي جريمة سياسية.

وبعيداً عن التهويل بلغة الشارع والضغط على ضمائر المسؤولين في السياسة والقضاء للعمل بهدف الوصول إلى الحقيقة، المطلوب إقرار خطّة يتفق عليها كل من يريد الوصول إلى الحقيقة في تفجير المرفأ والجرائم الأخرى، عمادها استقلالية القضاء، المفترض أن يعمل ويُجدد نفسه بعيداً عن الإملاءات السياسية، ليعمل وفق الأصول القانونية، لا وفق رغبات جهات وأطراف.

لن يصل أهالي الضحايا والمصابين والمتضررين، ومعهم اللبنانيون إلى الحقيقة في حال بقيت السلطة القضائية مرتبطة مباشرة بالسلطة التنفيذية المتمثّلة بمجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، وهنا، تجدر الإشارة إلى أن المرسوم الذي ينتظر توقيع وزير المالية، يحتاج أيضاً إلى إمضاء رئيس الجمهورية، وفي حال وقّع الأول، فقد يُحتجز لدى الثاني كما ملف التشكيلات القضائية، كما ان الملف قد يتوقف مرّة أخرى في مجلس الوزراء لسبب آخر، وبالتالي يجب تحرير الملف من سلطة المسؤولين السياسيين بشكل كامل.

يكمن الحل الأمثل في إقرار قانون يضمن استقلالية القضاء بشكل تام عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومنه ينطلق العمل في أروقة قصور العدل للوصول إلى خيوط تكشف حقيقة ما حصل في الرابع من آب، فيصدر القرار الظني عن قاضي التحقيق، ويُستكمل الملف القضائي وفق مساره.

وفيما ينام قانون استقلالية القضاء في الأدراج، لسنا في موقع التنظير على أهالي الضحايا والجرحى، لكن يبقى الأجدى من التحركات الرمزية للتذكير بما حصل، الاتفاق على خارطة طريق والعمل عليها للوصول إلى الحقيقة، تبدأ من الضغط شعبياً وسياسياً لإقرار قانون استقلالية القضاء، ومن ثم تحرير ملف انفجار المرفأ من السلطة التنفيذية.

جريمة انفجار مرفأ بيروت واحدة من عشرات الجرائم التي لم يصل القضاء بعد إلى تحديد حقيقة ما حصل، وما دام القضاء مسيّساً، والقضاة معيّنيين من مجلس الوزراء، فستبقى الحقيقة غائبة عن كل الملفات، منها الاغتيالات السياسية، والاعتداءات على الناشطين والمتظاهرين والمطالبين بالحق والدولة.