Advertise here

تحرير سعر الصرف مطلب اقتصادي لتوحيد الاسعار المتعددة

03 آب 2022 07:49:35

من ضمن الاصلاحات المطروحة في الساحة اللبنانية كمدخل لحل الازمة الاقتصادية والمالية والنقدية التي تعصف بلبنان منذ حوالى ثلاث سنوات وكمدخل لابرام الاتفاق مع صندوق النقد يُطرح موضوع توحيد سعر الصرف الذي اعتبره نائب رئيس حكومة تصريف الاعمال سعادة الشامي من ضمن الاصلاحات المطلوبة التي ستسهل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتدخل الاموال الى لبنان وتحد من ارتفاع سعر الصرف. فهل يمكن ان يوحد سعر الصرف قريباً وهل سيكون أدنى من سعر منصة صيرفة وما الذي يمنع توحيد سعر الصرف وهل توحيده يضع حدا للأزمة؟

للاجابة على هذه الاسئلة كان للديار هذا الحديث مع مدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو الذي أكد أن تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار هو مطلب اقتصادي لتوحيد أسعار الصرف المتعدّدة وإنهاء حالة الفوضى السائدة في سوق الصرف مشيراً ان في الاقتصاديات المدولرة وغير المتقدّمة كما هو حال لبنان، بأن مسألة تحرير سعر الصرف قد يكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد وتحدث قانصو عن متطلبات أساسية لتفادي تداعيات عملية التعويم المرتقبة وهي :

- أولاً، يحتاج تحرير سعر الصرف إلى استقرار اقتصادي، وتحديداً اقتصاد منتج يحقق نسب نمو اقتصادية، لتحقيق بعض التوازن في النظام المالي ولضبط سعر الصرف بعد التعويم، وهو ما يفتقده لبنان اليوم في ظل انكماش حاد في الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 50 مليار دولار في العام 2019 إلى ما دون 19 مليار دولار اليوم. فكيف إذا كان باقتصاد يعاني أصلاً ليس فقط من ركود وإنما من ركود تضخمي، أي انكماش في الناتج وتضخم مفرط في الأسعار، وهو أسوأ مزيج قد يشهده اقتصاد ما. وإذا تعمّقنا في البحث نرى بأن الدول التي حرّرت سعر صرفها هي دول متقدمة ونامية بامتياز.

 

- ثانياً، يحتاج تحرير سعر الصرف إلى استقرار سياسي، إذ أي خضة سياسية قد تؤدي إلى تفلّت كبير في سعر الصرف، ما يعني المزيد من التضخم ومن التآكل في القدرة المعيشية.

- ثالثاً، يحتاج تحرير سعر الصرف إلى غياب للفساد وشفافية مطلقة في السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية وقدرة من قبل المؤسسات المالية المرجعية على التدخل لضبطه في حال حدوث خضات سياسية أو اقتصادية، وهو ما يفتقده اليوم مصرف لبنان في بلد تكثر فيه الخضات السياسية والاقتصادية ويعاني من سوء إدارة وفساد متغلغل.

- رابعاً، يستحيل تحرير سعر الصرف قبل تحديد الخسائر المالية وتوزيعها ومعالجتها، فاللحظة التي سيتم فيها اعتماد سعر صرف عائم وموّحد، بشكل يعكس قيمة الدولار الفعلية بحسب موازين العرض والطلب، ستكون لحظة انكشاف كتلة ضخمة من الخسائر المتراكمة داخل مصرف لبنان والمصارف، بعد أن يتمّ تقويم الالتزامات الضخمة للمودعين بحسب قيمة الدولار الجديد في مقابل الموجودات الضئيلة بالعملة الصعبة.

ورأى قانصو ان ضبط سعر الصرف بعد تعويمه يحتاج إلى استعادة للثقة وبالتالي إلى تدفق للعملة الصعبة من الخارج، وهو ما سيعتمد على قدرة الخطة المالية الجديدة على إعادة الانتظام المالي ومعالجة خسائره بشكل جذري،معتبراً انه من المبكر اليوم الحديث عن تعويم حرّ لسعر الصرف في ظل هذه الظروف المأساوية.

وبالتالي يقول قانصو لا نظن بأن لبنان قد يكون مقبلاً على عملية تعويم حرّ لسعر الصرف في المدى القريب، ولكن قد نتجه في المرحلة الأولى نحو تعديل مرن في سعر صرف بشكل تدريجي ومُدار أم موجّه إلى حدّ، أي أن يقتصر التدخل في سوق صرف العملات الأجنبية على الحدّ من التقلّبية الشديدة في أسعار الصرف وبحدود ضيّقة نسبياً نظراً للتراجع الكبير في احتياطيات مصرف لبنان. وهو ما يحصل اليوم أساساً من خلال التعميم 161 في عملية واضحة لضبط سعر الصرف ضمن هوامش محدّدة، ناهيك عن رفع تام للدعم من قبل المركزي عن معظم السلع المدعومة سابقاً من محروقات وغذاء وأدوية بمعظمها إلى الاتصالات والانترنت وحتى القروض المصرفية بالدولار التي أصبحت تٌحصّل إما بالدولار وإما باللولار، مروراً باستعمال مصطلح "سعر السوق" من قبل مصرف لبنان ووزارة المال في معظم تعاميمهم.

كما لفت قانصو انه مع لجوء مصرف لبنان في الآونة الأخيرة إلى تقليص الفارق بين سعر السوق الموازية وسعر منصة صيرفة، فإن سعر الصرف في السوق الموازية بات أكثر فأكثر بمثابة سعر السوق السائد لتسعير معظم السلع والخدمات، وهو ما يعني دخولنا مرحلة دفن سعر الصرف الرسمي أي الـ1507.5 ليرة للدولار وانطلاق مرحلة التعويم المُدار لسعر الصرف في السوق الموازية.

معتبراً ان استدامة هذه العملية الترقيعية المكلفة تبقى رهن قدرة مصرف لبنان على التدخل، وهي باتت محدودة نسبياً، وبطبيعة الحال لن تستمر طويلاً، بانتظار الخرق الأساسي والأوحد الذي يبقى رهن تشكيل حكومة بشكل سريع وتفعيل عملها بشكل منتج لمواكبة عملية إطلاق برنامج إنقاذ شامل من أجل إعطاء صدقية للمساعي الإصلاحية المطروحة، ولاستعادة الثقة بالوضع الاقتصادي والسياسي والحكومي وثقة المغترب اللبناني والتأسيس لمرحلة جديدة ونهج جديد ورؤية اقتصادية جديدة.