Advertise here

وداعاً "أبا فادي" حَارِس الْعَيْن وَالسوق

30 تموز 2022 21:45:19

"أبو فادي" نِهَايَةٌ الرِّحْلَةِ فِي زَمَنِ الْعَتَمَة. . 
 
اِرتَبَط "أبو فادي" مُنْذ مَا يَزِيد عَنْ 50 عاماً، بِسُوق الأربعاء الأسبوعي فِي ضَهْر الْأَحْمَر، وبرحيله تَكُون قَرْيَتِه فُقِدَت واحداً مِن تجارها القدامى وَمِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي عايشت هَذِه السُّوق الشَّعبِية عَبَّر محطات مُتَعَدِّدَة . 
كَانَ الْعَمُّ الرَّاحِل فُؤَاد حديفة (72عاماً) طِوَال حَيَاتِه تاجراً متواضعاً فِي بَلْدَتِهِ الَّتِي اِحْتَلْت الْيَوْم التِّجَارَةِ فِيهَا مِسَاحَة وَاسِعَة وَسَط مِنْطَقَة راشيا، بَلْ كَانَ راضياً بعفويتة الْمغسُولَة بِمَاء فِطْرَتُهَا، منسجماً مَع رُفُوف دُكَّانِه الْبَسِيط ومنتجاته الْمُتَنَوِّعَة مِنْ الْحُبُوبِ وَالْأَعْشَاب وَالْمُؤونَة الْبَيْتِيَّة وَالْأَدَوَات الْمَنْزِلِيَّة. 
لَقَد الْتَصَق " أَبُو فادي" مُنْذ مَطْلَع شَبابَه بِتُرَاب بَلْدَتِه ضَهْر الْأَحْمر مَعَ الَّذِينَ كابدوا مَشَاقّ الْحَيَاة وحلوها وَمُرْهَا، فَكَان "رحمه الله" ساعياً دوماً مِنْ أَجْلِ لُقْمَة الْعَيْش وَرِزْق الْحَلَال، وميزته أنّه كَانَ يُنْسَب كُلِّ شَيْءٍ إلَى نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، ويُكثر مِنْ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ لِلْبَارِئ عزّ وجلّ . 
هُو الرجلُ السبعينيُّ الَّذِي تَرَجَّلَ فِي زَمَنِ الْعَتَمَة والانهيار الاقْتِصَادِي فِي لُبْنَان، لَكِنَّه مَا زَال حاضراً فِي قُلُوبِ مَنْ عَرَّفُوه وَأَحَبُّوه، وشاهداً عَلَى جارَتِه " عَيْن بكومة" بِإِحْدَاثِهَا وَصَوَّرَهَا ومعالمها، وَهِي النَّبْعَة الَّتِي أَحَبَّها "أبو فادي" وَيُغَار عَلَيْهَا، حَيْث يَقِفُ النَّاس فِي ظِلَالُهَا يومياً لِتَعْبِئَة الْمَاءُ الْعَذْبُ الْبَارِد. 
بِالْأَمْس رحل" أَبو فادي" عَلَى حِينِ غِرَّةٍ وَمَنْ دُونَ سابِقِ إِنْذارٍ، حاملاً مَعَه هُمُوم وَمُشْكِلَات الزَّمَن المتعب بِلُقْمَةِ الْعَيْش وَرَغِيفِ الْخُبْزِ الْمُغَمّس بِالْأَلَم، حَيْثُ قَضَى خَلْف شَاحِنَة تَفَرَّغ الطَّحين فِي أَحَدِ الْأَفْرَانَ فِي بَلْدَتِهِ، فَصَعِدْت رُوحُهُ إلَى رَحْمَةِ بَارِيهَا . 
"أبو فادي" يغادرنا تاركاً خَلْفَه إرثاً مِن الكِفَاح وَالْعَمَل وَالْمَحَبَّة وَالْإِخْلَاص لأسرته الكريمة الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ خَيْرِةِ الْأَبْنَاء الطيبين والعصاميين، أَطَالَ اللَّهُ أَعْمَارَهُم وأمدّهم بِالصِّحَّةِ والعَافِيَةِ .