رُوَيداً رُوَيداً يسحب مصرف لبنان يده من دعم السلع وفق سعر صرف بقيمة 1500 ليرة لبنانية للدولار أو حتى وفق منصّة "صيرفة". فأموال الإحتياطي الإلزامي تلفظ أنفاسها الأخيرة إن لم تكن "لفظتها" وحقوق السحب الخاصة أنقذت ما تبقى من الإحتياطي مع استخدام مبلغ الـ1.139 مليار دولار لدعم الأدوية والطحين... فقبل انصراف الحكومة الى تصريف الأعمال أقرت في جلستها الأخيرة في 20 أيار الماضي سداد مبلغ 35 مليون دولار شهرياً للأشهر الأربعة القادمة لزوم شراء أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة والسرطانية، ومستلزمات طبية وحليب ومواد أولية لصناعة الدواء.
وبالنسبة للمحروقات التي يتمّ احتسابها وفق سعر منصّة "صيرفة"، بدأ مصرف لبنان بسحب نسبة 15% منها لاحتسابه وفق سعر صرف السوق السوداء مبقياً على نسبة الـ85% وفق سعر "صيرفة" (البالغ حالياً 25600 ليرة لبنانية)، كي لا يكون وقع احتساب المحروقات وفق سعر سوق السوداء كبيراً دفعة واحدة خصوصاً وأن سعر برميل النفط عالمياً مستقرّ حالياً الى حدّ ما عند المئة دولار.
أما في ما يتعلق بأزمة الطحين المدعوم المحدودة كميته، ومشهد الطوابير والتهافت على أبواب الأفران لشراء الخبز العربي، فلن تُحلّ الأزمة قبل رفع الدعم، كما يرى البعض، وقد أعلن عن ذلك جهاراً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي أعرب عن استعداده لرفع الدعم اذا ما تمّ التصويت على ذلك. ولكن لم يتجرأ أحد على التصويت على تلك الخطوة التي تضرب الفقير في الصميم ولو أن سعر ربطة الخبز في السوق السوداء تخطى الـ30 ألف ليرة، وهو السعر الذي ستبلغه في ما لو رفع الدعم عن القمح.
وحول ضرورة سحب الدعم أو الإستمرار في فوضى الأزمات وفقدان الرغيف من السوق، أكّد وزير الإقتصاد والتجارة أمين سلام لـ"نداء الوطن" أنه "لا نية أبداً لرفع الدعم"، وأكّد أن "الأزمة ستشهد حلحلة بدءاً من اليوم"، مشيراً الى أن "البنك الدولي سيرشّد قطاع القمح وتوزيعه لفترة 9 اشهر بعد بدء العمل بقرض الـ150 مليون دولار، لحين ترتيب الأمور من خلال تشديد الرقابة على عمليات التوزيع تحت إشرافه بمواكبة كافة الأجهزة الأمنية التي تعمل لضمان وصول الطحين إلى الأفران".
وأوضح سلام أنّ "قيمة قرض البنك الدولي تكفي لفترة 9 اشهر، وخلال هذه الفترة سنعمل على وقف الدعم من الدولة اللبنانية ليتحوّل من دعم سلع وهو القمح الى دعم تحويل نقدي على بطاقة يودع فيها ما قيمته 30 دولاراً تكفي لتأمين 30 ربطة للمواطن شهرياً". وأضاف: "برنامج البنك الدولي هو شبكة أمان بامتياز، ووضعنا سيكون سليماً لفترة 9 أشهر، معلّقين الآمال على أن يوقّع لبنان اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي".
وختم: "لا يمكن تَرك المواطنين اليوم ورفع الدعم عن الخبز، فما حصل في المحروقات "خرّب" البلد وشلّ الدولة ولم يعد الموظف يملك القدرة على الوصول إلى عمله، ومن هنا يأتي الحلّ الأفضل وهو دعم الدولة شراء القمح من خلال برامج تحويلات نقدية".