أبصر قانون الشراء العام الرقم 244 النور بعد مطالبة الدول المانحة والمقرِضة في مؤتمر "سيدر" بإصلاح منظومة الشراء العام في لبنان، بهدف تعزيز الثقة بالدولة اللبنانية وتثبيت التزام لبنان بالإصلاح ومكافحة الفساد، بالإضافة إلى وضع أطر تضمن الشفافية والنزاهة والاستدامة والتخطيط والتخصصية والمنافسة العادلة والمساءلة في الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ويدخل القانون حيّز التنفيذ في 29 تموز الجاري، وتبدأ معه ورشة إصلاح منظومة الشراء العام، بصورة متكاملة.
"نحن كإدارة مناقصات جاهزون لنبدأ في 29 تموز، ونكون هيئة الشراء العام ونطبق القانون"، هذا ما يؤكّده المدير العام لإدارة المناقصات في التفتيش المركزي، الدكتور جان العلية، في حوار مع "الأنباء".
في غضون ذلك، أثّرت بعض الظروف التي مرّ بها لبنان على سرعة التحضيرات اللوجستية والإدارية في العام الذي تلا نشر القانون في الجريدة الرسمية، إنّما ما أُنجز كان كافياً للمباشرة بالتنفيذ. في هذا الصدد يوضح العلية أنّ الظروف التي مرّ بها لبنان لم تساعد في عملية التحضير بشكل أسرع، كجائحة كورونا، وانخفاض قيمة العملة اللبنانية بهذا الشكل، إذ أصبح يستحيل معه على الموظف أن يحضر إلى عمله، بالتالي أثّرت هذه الأمور على التحضير ولكن بنسبة معيّنة.
ولا ينفي العلية أنّ ثمة صعوبات أو مشاكل قد تواجه تطبيق القانون في البداية، "كما أي قانون جديد، تطبيقه لا يكون سهلاً، وسنكون أمام فترة يتخللها بعض الإرباك، وسنستوعبه من ضمن قانون الشراء العام، ومن حسن التدبير الإداري، ومن ضمن قرار أن لا رجعة إلى الوراء، والقوانين وضعت لتطبّق ويعمل بها"، على حد قوله.
ويضيف: "لن يكون هناك تعليق لتطبيق القانون. ليس جان العلية الذي يعلّق تطبيق القانون. مش شغلتي، في مجلس نواب".
تحضيرات كافية للمباشرة بالتنفيذ
ويشير العلية الى أنّ "هناك تحضيرات بين إدارة المناقصات ومعهد باسل فليحان المالي والاقتصادي كمنسّق وطني مسمّى من قِبل مجلس الوزراء للبدء بتطبيق قانون الشراء العام بتاريخ نفاذه في 29 تموز 2022"، لافتاً إلى الدور المهم الذي لعبه المعهد في تدريب الجهات الشارية، إذ درّب أعداداً كبيرة من الموظفين ليباشروا بتطبيق القانون، بالإضافة إلى مشاركته شخصياً بالتدريب، "بقدر ما يسمح لي الوقت وبالتالي خلقنا جواً لدى الجهات الشارية معرفة بالقانون وكيفية تطبيقه".
ويوضح العلية بأن هناك بعض النقاط التفصيلية المتعلقة باللوائح الخاصة بأسماء الأعضاء في لجان التلزيم والاستلام في الجهات الشارية والتي يجب أن ترسل لهيئة الشراء العام لا يمكنها إنجازها حالياً، "لأننا قبل 29 تموز لا نكون قد أصبحنا هيئة شراء عام"، وفق العلية.
في 29 تموز سيعلن عن بدء نفاذ القانون، "بحكم القانون"، الذي نصّ على نفاذه بعد سنة من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وذلك في احتفال في السرايا الحكومية، برعاية دولة رئيس مجلس الوزراء، وبدعوة من وزير المالية كونه رئيس اللجنة الوزارية التي كلفت مواكبة عملية تطبيق قانون الشراء العام.
ويكشف العلية عبر "الأنباء" أنّه في 29 تموز سيعلن عن وضع فريق عمل في هيئة الشراء العام على مدار الساعة ليجيب على أسئلة الجهات الشارية في ما يتعلق بتطبيق القانون، وستعلن حالة تعبئة لتطبيق القانون.
القانون سينفذ
لن يشكل وجود حكومة تصريف أعمال عائقاً أمام تطبيق القانون، إذ تتطلب بعض عناصر تطبيق القانون بعض التعيينات، أو الشؤون الإجرائية، دوراً لمجلس الوزراء. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فيما يتعلق بلجنة الاعتراضات، يشير العلية إلى أنّ هذا القانون قانون ذكي، إذ أثناء صياغته احتاط المشرّع لكل شأن ممكن أن يواجه تأخيراً. وفي موضع الكلام عن هيئة الاعتراضات، قال، "إلى أن تشكل هيئة الاعتراضات يبقى نظام الاعتراضات المعمول به قائماً، إلى أن تشكّل حكومة وتعيّن هيئة الاعتراضات، التي دورها أساسي ومكمل لتطبيق الشراء العام.
ويضيف: "الأمر عينه ينسحب على المراسيم التطبيقية، إذ هناك مجموعة من المراسيم التي ستسلم في 29 تموز إلى دولة الرئيس، وتم تحضيرها بالتعاون أو أحياناً بمبادرة من معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، كونه مسمّى منسقاً وطنياً".
ويؤكد العلية أن "لا شيء من ضمن القانون يحول دون تطبيق القانون، لا شيء من ضمن واقع الإدارة يحول دون تطبيق القانون. ممكن أن يكون هناك إشكالية معيّنة على تشكيل لجان التلزيم في البلديات، إنما لها حل ضمن القانون والقاعدة العامة أنّ القانون سيطبق".
وتجدر الإشارة إلى أنّ قانون الشراء العام 244 يخضع جميع الجهات الشارية التي تنفق من المال العام إلى أحكامه، "كالبلديات والإدارات العامة والمؤسّسات العامة، المجالس والصناديق، الهيئات، حتى الشركات الخاصة إذا كانت تتولى مرفقاً عاماً، ومصرف لبنان في ما يتعلق بعمله من خارج إطار إصدار النقد وطباعة العملة"، وفق العلية.
ورداً على سؤال حول الضغوطات التي تمارس، وتحديداً قبيل فترة من دخول القانون حيّز التفيذ، يقول العلية: "بالنسبة للضغوطات التي تتعرض لها الإدارات العامة التي تطبق القوانين، نحن نتمنى ألّا تتكرر هذه الضغوطات لأنها ليست لمصلحة البلد أولاً، وثانياً أثبتت التجربة أنها ليست لمصلحة القائمين فيها، وأنّهم يكشفون أكثر وأكثر عن حقيقتهم أمام الرأي العام. وأتمنى من كل قلبي ألّا يتعرض جان العلية في رئاسة هيئة الشراء العام لضغوط مماثلة للّتي تعرّض لها برئاسة إدارة المناقصات".
بتنا قاب قوسين أو أدنى من دخول قانون الشراء العام حيّز التنفيذ، لتبدأ معه ورشة إصلاح منظومة الشراء العام، إذ يعتبر من ضمن الإصلاحات الهيكلية لتعزيز الحوكمة المالية، وتحسين مستوى جودة الخدمات العامة، وجذب الاستثمارات، بالإضافة إلى مكافحة الفساد، واستثمار المال العام على نحو بنّاء، في ظل غياب أي إطار قانوني متكامل وموّحد ينظّم عمليات الشراء والمراقبة والمحاسبة. إنما الأهم ألّا تنحرف الجهات التي لا يناسبها هذا الواقع، وتحوّل قانون الشراء العام من قانون إصلاحي بضوابط حضاريّة إلى قانون من دون ركائز ولا ضوابط!