Advertise here

تسوية شاملة لا نصر فيها لحزب الله.. أو الخراب

28 تموز 2022 07:51:05

ينتظر لبنان ما تحمله له الأيام المقبلة من تطورات خارجية، تؤثر على المجريات السياسية فيه. لم يعد ممكنًا لأي مفاوضات إيرانية- أوروبية أو أميركية- إيرانية ألا تتناول ملف جنوب لبنان وترسيم حدوده. وذلك في ضوء تهديدات أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، بمنع حزبِه إسرائيلَ من تصدير الغاز عبر البحر، في حال عدم التوصل إلى اتفاق يحمي لبنان.

تفاؤل حذر
القراءة الدولية لهذا الموقف تضع التهديد في خانة رفع السقف الإيراني إلى أقصى الحدود، في محاولة لتحقيق تقدم على خط التفاوض حول الملف النووي. كلف الأميركيون الفرنسيين التواصل مع إيران، بحثًا عن تحقيق نقاط مشتركة. ولذلك كان الاتصال على مدى ساعتين بين الرئيسين الفرنسي والإيراني، حسب المعلومات. وتستمر الاتصالات الأوروبية- الإيرانية لمنع التصعيد.
ويفترض بأي لقاء ديبلوماسي سعودي- إيراني أن يشمل الملف اللبناني. وينعكس اللقاء إيجابًا وتهدئة في لبنان، كما يراهن لبنانيون كثر وسواهم في الإقليم. لكن المدخل الأساسي لذلك يظل ترسيم الحدود، في ضوء زيارة آموس هوكشتاين المرتقبة إلى لبنان، بحثًا عن إمكان تحقيق تقدم وسط ارتفاع منسوب التفاؤل. والتفاؤل لا يزال حذرًا، بسبب عدم وجود قرار إسرائيلي حاسم يعطي لبنان ما يريد، كي لا يمنح ذلك انتصارًا لأمين عام حزب الله.

أسلحة أميركية.. لمن؟
تتضارب المعلومات بين الخوف من الوصول إلى حافة الحرب، أو إبرام الاتفاق سريعًا. لكن عناصر الضغط تظل قائمة ومتزايدة، رغم أنها تفصيلية. فإلى جانب التهديدات المتناسلة بين لبنان وإسرائيل، تقول المؤشرات إن الجميع يريد الحلّ. لكن الحلّ لن يُخرج لبنان من أزماته. وفي هذا السياق يبرز ضغط أميركي من نوع جديد: اتهام وزارة العدل الأميركية ثلاثة لبنانيين بتهريب الأسلحة لصالح حزب الله.
تنطوي الرواية على غرابة كبيرة. فمنطقيًا لا يمكن لحزب الله أن يراهن على حصوله على أسلحة أميركية مهربة من أميركا. والأهم أن التهم وجهت إلى شخصيات مسيحية، بعضها مقرب من التيار العوني. يثير هذا الخبر الكثير من الجدل في لبنان، وكذلك الكثير من التساؤلات حول وجهة هذه الأسلحة، فيما يرتفع منسوب الخطاب الطائفي والدعوات التقسيمية، وعلى وقع أزمة مسيحية- شيعية، عنوانها المطران موسى الحاج.

بن سلمان في باريس 
في هذا الوقت يزور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باريس. وهي زيارة تتخذ طابعًا "ملكيًا"، من الاستقبال الذي لاقاه في اليونان، إلى الملفات التي يبحثها مع الرئيس الفرنسي. يذهب بن سلمان إلى باريس معززًا بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن السعودية أخيرًا. وهذا يدفعه إلى التمسك بشروط عدة، منها ما يتعلق بلبنان، وأخرى بإيران والاتفاق النووي.
فالموقف السعودي سيكون واضحًا ومنطقيًا: في ظل المساعي الأوروبية والفرنسية تحديدًا، لإنجاح المفاوضات النووية مع إيران، لا بد من البحث عن بدائل لدول الخليج، وتحديدًا السعودية. إذ لا يمكن منح إيران وحلفائها كل شيء، لا في اليمن ولا في لبنان.

الفاتيكان وحزب الله
يأتي ذلك فيما تستدعي أطراف لبنانية اهتمامًا فاتيكانيًا بلبنان، بعد أكثر من سنة على دعوات البطريرك بشارة الراعي لعقد مؤتمر دولي خاص بالمعضلة اللبنانية. يعبّر ذلك عن اعتراض فاتيكاني شامل على الواقع اللبناني القائم. وهذا له أثره البعيد على قوى داخلية وخارجية. ويشكل ثقلًا سياسيًا لرفض الواقع القائم في لبنان، والبحث عن حلّ ملائم.
لا يمكن نزع فكرة أن لبنان دولة ذات خصوصية مسيحية وتجاوزها. ولا يمكن السيطرة السياسية والعسكرية الإيرانية على لبنان أن تلغي هذه الفكرة، على الرغم من التقدّم الذي تحققه بيئة حزب الله على أصعدة كثيرة: من أغنية سلام يا مهدي، إلى إقامة مجلس عاشورائي في مسرح المدينة في شارع الحمراء. ليس المقصود هنا أن حزب الله لا يحق له أحياء نشاطاته في هذا الشارع، ولكن المسألة ترتبط برمزية المكان والتوقيت والغاية من ذلك.

فرنسا والسعودية وأميركا.. والسلاح 
هذا يفترض أن يلتقي مع النظرة السعودية إلى لبنان. والمواقف السعودية واضحة في رفضها التسويات التسويفية على الطريقة اللبنانية. فهي تصر على البحث عن حلّ شامل.
هنا لا بد من الربط بين الانسجام بين السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، والبطريرك الماروني بشارة الراعي. لذا لا بد من حمل مواقف الراعي على محمل الجد في دعواته إلى الحياد وتحييد لبنان عن أزمات المنطقة ونزاعاتها، والبحث عن عقد مؤتمر دولي خاص لحل الأزمة اللبنانية. والموقف السعودي لم يتغير حول كيفية معالجة أزمة السلاح أو الأزمة السياسية القائمة. وهو موقف تبلغه السعودية بوضوح إلى الجهات الدولية كلها، وخصوصًا لأميركا خلال زيارة الرئيس جو بايدن إلى السعودية، وصدر في البيان الختامي لتلك القمة. والمباحثات التي يجريها ولي العهد السعودي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لن تكون بعيدة عن ذلك.
لكن حتى الآن لا خلاصة واضحة حول تصورات المرحلة المقبلة لبنانيًا. وهي مفتوحة على احتمالات عدة: اجتراح معجزة في تسوية حدودية تنسحب على الوقائع والملفات الداخلية. أو استمرار حال الترهل والانهيار والضياع السياسي في لبنان، الذي قد يهيمن عليه سواد عظيم.