Advertise here

هل بايدن راضٍ عن نتائج زيارته؟

25 تموز 2022 09:20:46

بعد أكثر من أسبوع على زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل والسعودية، ووسط غزارة لافتة في قراءة مدلولاتها ونتائجها، تلوح الحاجة لبعض الهدوء والروية في تقييمها؛ إذ يبدو لنا أن معظم المعنيين بها على اختلاف مواقعهم غير راضين بالمجمل عما آلت إليه، رغم الأهمية القصوى لحصيلتها المعلنة وغير المعلنة والتي لا تزال قيد التبلور. الاستثناء الأبرز في هذا السياق هو المملكة العربية السعودية التي بفضل ثقتها بموقعها ووضوح رؤيتها، حصدت الحصة الأهم والأكبر من الترتيبات الاستراتيجية الإيجابية، أولها عودة التعاون العسكري مع واشنطن والاتفاق على مغادرة قوات حفظ السلام والمراقبين، وبينهم الأميركيون من جزيرة تيران السعودية ومعاودة مبيعات العتاد العسكري التي تشمل أنظمة دفاعية وتقنيات متقدمة، إضافة إلى إنشاء فرق مشتركة في البحر الأحمر وخليج عُمان وترتيبات أخرى في مجال الأمن السيبراني وتقنية الاتصالات. حزمة من الاتفاقات لا تحتمل التهاون بأهميتها لما تدل عليه من تأكيد التعاهد التاريخي بين الرياض وواشنطن.

أما عدم الرضا عن الزيارة فجاء أوله من أميركا نفسها من يسار بايدن داخل حزبه وخارجه، ومن هم على يمينه من الديمقراطيين وطبعاً من الجمهوريين المسكونين بهاجس كسب الانتخابات النصفية المقبلة أو الرئاسية بعد سنتين، وخصوصاً المتحمسين لعودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. كلهم يستخدمون الحجج الصحيح منها والمفبرك والمفتعل لتبرير غاياتهم، ما يجعل التجاذب السياسي الحاد على أشده مع تأثيره الكبير على سياسة واشنطن الخارجية والمصلحة العليا للدولة، ويقدم الحجة للمتخوفين والمترددين من مواكبة واشنطن ومسايرتها فيما تطلب لانعدام الثقة باستدامة الوعود وتبدلها مع كل تغيير في الإدارة.

ومن وراء البحار، إسرائيل أيضاً غير راضية حتى بعد «إعلان القدس» بشأن الشراكة الاستراتيجية بينها وبين الولايات المتحدة، والتزامهما «بعدم السماح لإيران مطلقاً بامتلاك سلاح نووي». فرغم لياقة وتهذيب المسؤولين الإسرائيليين تجاه بايدن، لم يتبدد القلق الإسرائيلي جراء تمسك الأخير بالدبلوماسية كوسيلة للتعامل مع برنامج إيران النووي وتجنب العمل العسكري المباشر ضدها والاكتفاء بالإعلان عن دعم إسرائيل إذا ما لجأت إليه، مع تأكيد بايدن أن اللجوء إلى القوة سيكون «الملاذ الأخير».

بايدن ترك كذلك الفلسطينيين على تشرذمهم مكتئبين، لأن مقاربته للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني اقتصرت على الاقتصاد وبناء المؤسسات، مجدداً التزامه «الكلامي» بدعم حل الدولتين والعمل مع إسرائيل لتحقيقه ولم يفِ بتعهده بإعادة فتح القنصلية الأميركية المستقلة في القدس. إلى هذا، لم يتطرق بايدن إلى النشاط الاستيطاني الإسرائيلي الذي توقف أثناء الزيارة، كما لم يصدر عقبها بيان أميركي - فلسطيني مشترك. المحصلة خيبة أمل وغضب فلسطيني.

في الجانب العربي وباستثناء السعودية كما ذكرنا، تقييم الزيارة يختلف بين طرف وآخر. جميع المشاركين في قمة جدة يلومون واشنطن على تخليها عن حلفائها بحجة وهم التحول إلى آسيا ولصالح رهانها على تسوية مع إيران. وبمعزل عن الأسباب والتوقيت، عندما جاء الرئيس بايدن ومعه اعتذار واضح غير ملتبس عن الأخطاء الأميركية قبله ومعه، ظهر التردد العربي. فالدول العربية المعنية تدرك أن التوصل إلى اتفاق مع النظام الإيراني سيولد أزمة مع امتلاك إيران المزيد من الموارد المالية لتمويل وكلائها وحلفائها، وتدرك أيضاً أن الفشل سيولد أزمات أكبرُها امتلاك إيران سلاحاً نووياً وأصغرُها جر الولايات المتحدة نحو مسار تصادمي مع إيران تتورط فيه المنطقة بأكملها وستكون هي الأكثر عرضة لتداعياته.

والشعور بالخطر الإيراني متفاوت، والسعودية هي الأكثر وضوحاً في تحسسها من أدوار إيران وممارساتها، بينما مواقف الدول الأخرى متدرجة من الأردن إلى الإمارات والكويت وقطر إلى سلطنة عُمان ومصر وأخيراً العراق الواقع في قبضة طهران. العديد منها لديه علاقات مهمة مع إيران، وخصوصاً الكويت وقطر والإمارات وسلطنة عُمان، ولا تريد أن تكون رأس حربة للولايات المتحدة وإسرائيل في حرب معها. وانعكس ذلك في البيان الذي أعقب القمة وأكد التصميم على توفير الأمن في المنطقة مع التركيز على الدبلوماسية للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني وتجاهل كلياً فكرة التحالف الدفاعي والتعاون العسكري فيما بينهم أو مع إسرائيل في وجه إيران، حتى أن أبوظبي أعلنت إبان القمة رفضها لفكــرة تحــالــف دفاعي وعزمها على إعادة السفير الإماراتي إلى طهران في مسعى واضح لتحسين علاقتهما. الجميع يرفض تدخلات طهران في شؤون جيرانها ويخشى العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات، إنما الغالبية تتردد بالانخراط مع الأميركيين في حرب ضدها كل لأسبابه المخــتــلفــة، فــي مــوقف يتوافق مع مقاربة بايدن للملف الإيراني.

عدم الرضا ينسحب أيضاً على الخصوم من خارج المشاركين في القمة والمتوجسين منها، على رأسهم الرئيس الروسي الذي توجه إلى طهران بحجة قمة تبحث الشأن السوري، فلم تتفق الأطراف المشاركة فيها حوله، وكل ما حصدته هو تأكيد المؤكد عن عمق وأهمية العلاقات الإيرانية - الروسية وحاجة الطرفين لبعضهما البعض، وأن الهم الرئيس لهما هو مناكفة واشنطن ومحاربتها والرد على زيارة بايدن. ويبقى للرئيس التركي رجب طيب إردوغان دور الوسيط بين موسكو وكييف، وإبقاء شعرة معاوية مع صديقيه اللدودين الروسي والإيراني.

عدم الرضا إذن هو السمة الغالبة، إنما هل الرئيس بايدن نفسه راضٍ عن نتائج جولته؟ هدف الرئيس الأميركي إلى تشكيل بيئة قد تضغط على طهران لاتخاذ قرار بشأن العودة إلى الاتفاق النووي من جهة، ودعم التحالفات في المواجهة بين واشنطن وموسكو في أوكرانيا من جهة ثانية. صحيح أن واشنطن ستبقى الشريك الأمني الرئيس والأكثر فاعلية لدول الخليج، ولكن ليس على حساب تخليها عن التعاون مع روسيا والصين. وباستثناء موقف إسرائيل، لم تتضمن أي من البيانات المشتركة خلال الزيارة لوماً أو نقداً لروسيا لغزوها أوكرانيا. أما بالنسبة لإيران، فمصير المفاوضات الدبلوماسية للتعامل مع برنامجها النووي جوابه ليس في القدس أو جدة ولكن في طهران، ويبدو أن إيران أضحت غير مهتمة بعقد صفقة يمكن لواشنطن قبولها. باختصار، الزيارة أعطت أكثر مما أخذت، ولم يجن بايدن حصاداً ملموساً مباشرا لا على مستوى إمدادات الطاقة ولا في النزاع الروسي - الأوكراني ولا بتوسيع سريع وملموس لعمليات التطبيع العربية - الإسرائيلية، ولا في موضوع فكرة التحالف الدفاعي. هذا مع ملاحظة تعزيز التنسيق الأمني من دون أن يصل إلى ما تم ترويجه عن ناتو شرق أوسطي.

رغم كل ذلك، يؤكد بايدن أنه لن يبتعد عن الشرق الأوسط كما فعل باراك أوباما، وأن الولايات المتحدة عادت إليه وإن كان على غير سلفه ترمب، وقد يكون هذا صحيحاً وواقعياً لأن التردد والحذر الذي لمسهما سوف يتبددان ليس بفضل السياسة الأميركية حصراً بل لسوء أداء خصومه ومحدودية قدراتهم الدبلوماسية والاقتصادية والتكنولوجية، وأولهم الرئيس الروسي الذي يصعب على المرجعيات العربية الوثوق بنهجه وأن تقف على الحياد بعد التصاقه المتمادي بالنظام الإيراني ودعمه المتواصل له، ودور آلته العسكرية في سوريا إضافة إلى استهانته الصارخة بالنظام الدولي على سيئاته وتعريض الكيانات وسيادة الدول للخطر وجعلها كلها وجهات نظر، بما لا يسمح للمرجعيات العربية بمجاراته فيه. كل ذلك يضيق مساحة الصداقة مع موسكو ويصب لصالح واشنطن.