Advertise here

قطار الثورات العربية في محطته الأخيرة!

10 أيار 2019 13:46:00 - آخر تحديث: 10 أيار 2019 13:51:24

صباح يوم الأحد (16 أيّار 1948) صدرت جريدة "النهار" اللبنانية وعلى صدر صفحتها الأولى عنوان عريض: الملك عبدالله بن الحسين يطلق أول رصاصة إحياء لذكرى الرصاصة الاولى التي أطلقها والده في 10 أيار (مايو) 1916 معلناً "الثورة العربية الكبرى".

وفي التفاصيل كتب موفد "النهار" الخاص في ذلك اليوم من عمان:

"أبرق إليكم بعد عودتي من جسر "اللنبي" حيث شهدت أروع مظاهرة عربية سجلها التاريخ.

"ولقد رافقت القوات الاردنية في تحركها من أراضي المملكة باتجاه الحدود، وكانت تواكبها الالوف من رجال ونساء وأولاد، يزغردون وبكبّرون، وقد سار جلالة الملك عبدالله في الطليعة ممتطياً صهوة حصان أشهب. فلما بلغ الموكب جسر "اللنبي"، ألقى كلمة تاريخية في جنوده، ثم اطلق الرصاصة الاولى باتجاه الضفة الاخرى من نهر الاردن إيذاناً بالشروع في عملية تحرير فلسطين، وإحياء لذكرى الرصاصة الاولى التي أطلقها المغفور له والده الحسين بن علي في 10 أيّار (مايو) 1916، إيذاناً بإعلان الثورة العربية".

حدث ذلك في مثل هذا اليوم قبل مئة وثلاث سنوات. فأين فلسطين، وأين العرب اليوم؟

هكذا يذكرنا التاريخ بأن النكبة العربية المزمنة، المتمثلة بإسرائيل لا تعود إلى حرب 1949 التي سقطت فيها فلسطين، بل تعود إلى زمن أطول من قرن، أي إلى ما قبل "وعد بلفور" عام 1917، حين كان اليهودي (الصهيوني) يتشوق لملامسة "حائط المبكى" من بُعد، فلا يستطيع، لكنه كان يتوعد بيوم يتمكن فيه اولاده واحفاده من ذبح ما إستطاعوا، وما طالت أيديهم من الفلسطينيين، وقد مرّ قرن ونيّف ولم ترتو السكين الصهيونية من الدم العربي، ولم تخف النزعة المستعرة للقتل والتدمير، وآخر المشاهد ما يجري في قطاع غزّة منذ يوم السبت الماضي...

ما يزيد الالم العربي حتى الاعماق، وهذه حال ليست طارئة، ولا استثنائية، هو ان ردة الفعل على المستوى العربي أيضاً، إقتصرت على الاستنكار، والتنديد باصدار تصريحات وكتابة مقالات (ومنها هذا المقال)، وسوف تتوقف ردات الفعل البيانية عند حد زمني قصير لتعود الامور الى ما كانت عليه قبل يوم الجمعة الماضي 3 أيار الجاري، وتتحول النكبة إلى عنوان، إلى تاريخ في السجل الدموي الفلسطيني والسياسي المفتوح.

لكن، أليس لهذه المحنة الفلسطينية المتقطعة حد تتوقف عنده بين الأهل في "الضفة" و "القطاع" على الاقل؟... يعني بين "حركة فتح" و "حركة حماس".

قبل الخوض في تحديد المسؤوليات، وعلى من تقع في العموميات يمكن الالتفات الى ردات لفعل الصعد الدولية، والإسرائيلية، والعربية، والفلسطينية، على جانبي "رام الله" و"غزة".

إسرائيل تجدد مشروع قانون لفرض "السيادة الإسرائيلية" على أراضي المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، وكذلك على المستوطنين  ومرافقهم التجارية، وصولاً الى ضم الضفة وغور الاردن الى الأراضي المحتلة.

أما المعارضة الإسرائيلية في "الكنيست" بقيادة "بني غانتس" الذي كان قبل أربع سنوات رئيساً لاركان الجيش، فانه يرى ان نتانياهو يعالج مشكلة غزة بطريقة "سطحية وفاشلة"، وان "همه الاساس ان يتهرب من خوض عملية سياسية تؤدي الى سلام مع فلسطين، والامة العربية باسرها"! ثم يدعو نتانياهو الى العودة للتفاوض مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.

رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس أوعز إلى مندوب فلسطين الدائم لدى الامم المتحدة السفير رياض منصور، بدرس طلب عقد جلسة لمجلس الامن الدولي بهدف وقف العدوان الإسرائيلي المتصاعد بحق الشعب الفلسطيني.

وزارة الخارجية الاردنية حذرت من تبعات التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، مطالبة بوقفه فوراً.

حزب "ليكود" الحاكم يكرر مشروعه الداعي الى فرض السيادة الإسرائيلية على أراضي المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، وذلك توطئة، وتمهيداً لاعلان الضفة بكاملها جزءاً متمماً لـ "الدولة الصهيونية الكبرى".

وللتذكير، فإن إسرائيل، حتى هذا التاريخ، إستولت على نسبة تقارب التسعين بالمئة من الكيان الفلسطيني، وفي مشروعها أن تكمل على الباقي من الضفة وقطاع غزة، ومن يدري ماذا سيكون مصير تلك "المستوطنات" العربية، وماذا سيكون مصير القدس، والمسجد الاقصى ثالث الحرمين الشريفين، وكنيسة القيامة، مهد السيد المسيح!!

هذه التساؤلات الكبيرة والخطيرة صارت من عاديات الموضوع الفلسطيني حيث يُطرح، سواء في المحافل العربية والدولية، أو في الأوساط الشعبية... ويوم الاربعاء الماضي شهدت "تل أبيب" احتفالاً إستثنائياً برمزيته الفلسطينية – الإسرائيلية المشتركة، فقد تلاقى الآلاف من العرب واليهود الذين فقدوا شهداءهم في العمليات الإجرامية التي ترتكبها قوات الاحتلال، وكانت هناك مئة وإحدى وثمانين عائلة فلسطينية فقدت أبناءها ورجالها في حروب حكومة نتانياهو وزمرته الصهيونية.

واليوم (العاشر من أيار 2019) يصادف ذكرى ثورة عبدالله بن الحسين في (العاشر من أيار 1916).

مئة وثلاث سنوات مضت من أعمار الأجيال العربية، جيلاً، بعد جيل، وملكاً، بعد ملك، ورئيساً، بعد رئيس، ودولة، بعد دولة، وفلسطين ما تزال على الجلجلة.

وعلى مدى ذلك القرن الذي مضى كانت فلسطين، وما تزال، العنوان، والبوصلة التي تشير إلى المستقبل... وذلك المستقبل ما يزال في الغيب.

لقد حدثت انقلابات عسكرية لا يحصى عددها في البلاد العربية، وما تزال "اللعبة" جارية، وما تزال فلسطين في الاسر، جريحة تنزف دماء، وحسرة، ومهانة.

وعلى سبيل التذكير فقط، هناك ثورات عربية بدأت في أواخر السنة العاشرة من هذا القرن، وقد بلغت السنة التاسعة، ولم تتوقف بعد، وقد ذهبت بنحو عشرة ملايين عربي بين شهيد ومفقود... والحبل على الجرار... والامة العربية في الانتظار.

كان الامل قد بدأ بثورة التغيير من تونس، ثم إنتقل إلى سورية، فليبيا، ومصر، ثم اليمن، وعاد الى الجزائر، ثم حط رحاله في السودان.

كانت رحلة طويلة إجتازها قطار الثورة العربية في الفراغ.

... وما زال الامل معقوداً على شعبي الجزائر، والسودان...