يعقد يوم الإثنين المقبل اجتماع في السرايا الحكومية برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبحضور وزير المال يوسف الخليل من أجل عرض مجموعة من الإقتراحات المتّصلة بإنهاء إضراب موظفي القطاع العام. وجرى التحضير للإقتراحات التي ستعرض في هذه الجلسة، في اجتماع عقد في معهد باسل فليحان حيث يجري تحضير ورقة تتضمن زيادة تدريجية لأجور العاملين في القطاع العام من دون أي ذكر لشكل هذه الزيادة، أو لتمويلها سواء عبر السياسة النقدية أو من خلال الخزينة.
ووفق المعلومات التي جرى التكتم عليها، فإن وزير المالية يوسف الخليل يميل إلى اقتراح أساسي يتعلق بمنح العاملين في القطاع العام زيادة تدريجية تضاعف الرواتب الشهرية التي تبلغ اليوم راتبين (واحد أصلي وواحد مساعدة اجتماعية) إلى ثلاثة رواتب فوراً، ثم زيادتها في مطلع السنة المقبلة إلى أربعة رواتب شهرياً، ثم بعد سبعة أشهر إلى خمسة رواتب. عملياً، ستضاعف الرواتب خلال فترة تمتد لغاية أول تموز العام المقبل مرتين ونصف مرة.
وكان عدد من المديرين العامين قد طرحوا في اجتماعات دعت إليها رئيسة مجلس الخدمة المدنية، نسرين مشموشي، تصحيح أجور القطاع العام من خلال آلية نقدية كالتي منحت للقضاة، إنما لا تكون أكثر من 30% من الراتب الذي يفترض تحويله إلى الدولار بالسعر النظامي 1507.5 ليرات وسطياً، ثم إلى الليرة على سعر 8000 ليرة. ووفق مصادر في مصرف لبنان، فإنه لا يمكن تحويل كل رواتب القطاع العام إلى عدد يتجاوز 300 ألف موظف وفق هذه الآلية، لأن الكلفة النقدية ستكون هائلة، إذ سترتفع الكتلة النقدية لتسديد هذه الأجور من 800 مليار ليرة شهرياً إلى 4300 مليار ليرة.
كذلك، يطرح في السياق نفسه، أن يمنح موظفو القطاع العام تعديلات على المخصصات المتعلقة بالتقديمات الاستشفائية والتعليمية، إنما لا يزال الأمر غير واضح بعد.
وكانت مشموشي قد تواصلت مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووعدها بإيجاد حل. ورفضت أن تقول لـ"الأخبار" ما هي الطروحات على جدول أعمال اجتماع الاثنين المقبل، لكنها قالت إن رأيها الشخصي هو أن يكون الحل لمصلحة الموظفين وللمصلحة العامة أيضاً، وألا يكون إلا عبر المالية العامة. ما لم تقله هو أنها ترفض أن يكون الحل عبر السياسة النقدية وعبر مصرف لبنان.
على أي حال، كل ما هو مطروح لغاية اليوم على جبهة تصحيح أجور العاملين في القطاع العام، بكل أشكاله وتفريعاته، هو أمر من اثنين: تصحيح الأجور بنسب أدنى من المستحق مقابل زيادة الدولار الجمركي، أو تصحيح الأجور عبر إقرار تحويلها إلى الدولار عبر قرارات تصدر عن حاكم مصرف لبنان. وبهذا المعنى، يصبح مفهوماً الهدف من التصريح الذي أدلى به رئيس مجلس النواب نبيه بري عندما طلب تجميد قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي منح القضاة بموجبه زيادة على الأجور 5.3 أضعاف ما كانت عليه بشحطة قلم منه مموّلة بالسياسة النقدية. بري أشار إلى أن هذا "التفاوت سيؤدي الى انهيارات أكبر من الانهيار المالي والاقتصادي الحاصل وسيكون له تداعيات اجتماعية واقتصادية لا تحمد عقباها". وهو بالفعل ما تفاعل معه سلامة سريعاً وجمّد القرار، لكن هل هذا يعني أن بري سيعقد صفقة مع ميقاتي على تمرير الدولار الجمركي من أجل تمويل تصحيح الأجور عبر الخزينة؟
ولغاية أمس، كانت وزارة المال تحضّر السيناريوهات المالية المتوقعة للقرارات التي ستتخذ وكلفتها على الخزينة. بمعنى آخر، يتم التعامل مع تصحيح الأجور في القطاع العام باعتباره حدثاً معزولاً عن جوهر الأزمة في لبنان، بل باعتباره عرضاً هامشياً يمكن التعامل معه بشكل محاسبي يأخذ بالحسبان الأثر المالي على الخزينة والنفقات والإيرادات. لكن هذا الأمر لا يصل إلى محتوى النقاش في أصل السياسات الاقتصادية التي يجب إعادة الاعتبار لها وأولويات النهوض، ولا سيما أن الكل في لبنان ما زال عالقاً عند مسألة توزيع الخسائر.