الجو إيجابي بامتياز، إذ بينت إحصاءات المديرية العامة للطيران المدني منذ بداية تموز لغاية 11 منه دخول 181791 راكباً الى لبنان مقارنة مع 93807 غادروا البلاد، المقاهي والمطاعم والملاهي كلها "مفولة" ونسبة الإشغال في الفنادق ترتفع الى حوالى 80 بالمئة. وتخص الأنظار نحو ما يحمله الزوار من فريش دولار. فالى أي حد ستؤدي هذه الدولارات الى تحسين سعر الصرف في لبنان؟
يعوِّل لبنان على موسم الصيف لينتعش اقتصادياً ويخرج من الأزمة التي شلّت حركته الاقتصادية منذ أكثر من عامين، مستفيداً هذه المرة من الأزمة النقدية التي تصنّفه بالأرخص مقارنة مع دول أخرى. ثلاثة الى أربع مليارات دولار ينتظرها لبنان مع قدوم السياح والتي ستتدفق خلال فترة ثلاثة أشهر. هذا المبلغ يوازي قيمة الدعم الذي يطمح لبنان للحصول عليه من صندوق النقد الدولي، موزّع على دفعات على مدى 46 شهراً. من يسمع بهذه الارقام يظن أن دولارات المغتربين ستؤدي الى تحسين سعر صرف الدولار مقابل الليرة. ولكن الامور ليست هكذا، وسعر الصرف لن ينخفض، لأن الدولارات التي دخلت السوق خلال موسم الصيف، لن تتم الإستفادة منها بشكل إيجابي. أين تذهب إذاً دولارات المغتربين؟ وما هو مصيرها؟
عوامل سعر الصرف
بحسب الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان: "هناك عدة عوامل تؤثر على سعر الصرف أولها قاعدة العرض والطلب حيث تعتبر من العوامل الاساسية المؤثرة في اقتصاد السوق، ثانياً الثقة بالإقتصاد كون العملة الوطنية هي مراَة الاقتصاد، وأخيراً الإستقرار السياسي والأمني في البلاد والمفقود حالياً. عملياً إن دخول هذه الدولارات سيؤدي وبشكل مباشر، إلى تحقيق توازن بين العرض والطلب على الدولار، ما سيؤمن استقراراً في سعر الصرف على المدى القريب، أما على المدى البعيد وبعدما ينتهي الموسم السياحي، فمن المرجح أن يعاود الدولار ارتفاعه بغياب أي إصلاحات جدية وفعّالة، وغياب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي". ويشير المصدر نفسه الى أن "هذه الدولارات التي ستدخل السوق خلال موسم الصيف، لن تتوزع على القطاعات كافة، وذلك بسبب عدم وجود قطاع مصرفي قادر على توظيف هذه الدولارات وإعادة ضخها في شرايين الإقتصاد، إضافة الى فقدان الثقة بهذا القطاع. وهذا يعني أن القسم الأكبر من دولاراتهم لن تدخل في الدورة الإقتصادية على شكل استثمارات ومدخرات لخلق فرص عمل وشركات جديدة، إنما تذهب فقط على الاستهلاك حيث يستفيد منها قطاع الفنادق والمطاعم والمنتجعات السياحية على انواعها. كما ومع وزيادة الاستهلاك، سترتفع معدلات الطلب على الدولار للإستيراد من الخارج لتلبية حاجات المغتربين والسياح، الأمر الذي يفسر إنفاق قسم من هذه الدولارات في الخارج".
مصير أموال المغتربين
"إن معظم المغتربين لديهم أموال وحسابات في المصارف اللبنانية"، يقول المستشار المالي ميشال قزح، "وهم الذين وقعوا في الفخ قبل بدء الازمة في لبنان، حيث قامت المصارف بشتى أنواع الإغراءات لاستقطاب دولاراتهم الفريش مع فائدة أكثر من 10 بالمئة. واليوم، إن أموال المغتربين عالقة في المصارف، وبالتالي سيحاولون التصرف بها باللولار أو بالليرة إما للإنفاق على عطلاتهم، أو لمساعدة ذويهم في لبنان. وبما أن هذه الأموال لن تكفي لتمضية العطلة في لبنان، نراهم مزودين بالفريش دولار. فالمغترب لن يأتي بأمواله لإيداعها في المصارف اللبنانية بعدما فقد الثقة بها، وخاصة بعدما ارتفعت الفوائد العالمية الى 3 و4 بالمئة. لذلك لن تنقذ هذه الدولارات الليرة اللبنانية".
لا تحسّن في الوضع النقدي دون وضع خطط جدية
يرى قزح "أنه من الصعب انقاذ اقتصاد لبنان المهترئ بهذه الطريقة، فيجب أولاً اعادة هيكلة كل القطاعات في لبنان وبالتالي الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتأمين الاستقرار الأمني والسياسي، ومن ثم يمكننا التعويل على دولارات المغتربين، فعلى سبيل المثال، سيأتي المغترب بأمواله الى لبنان وخاصة من أفريقيا والخليج للإستثمار، عن طريق إقامة مشاريع انتاجية طويلة الأمد". وكذلك يشدّد أبو سليمان على انه "لا يمكن العودة الى اقتصاد طبيعي من دون عودة القطاع المصرفي الى طبيعته ليتمكن من كسب ثقة المستثمر".
سبق وشهد لبنان قدوماً للمغتربين في السنوات الماضية حتى ولو لم تكن الحركة بكثافة هذه السنة، ففي العام الماضي، زار لبنان عدد من السياح وشهد لبنان ارتفاعاً للدولار حيث لامس الـ 30 الف ليرة، ولن نشهد أي تحسن في الوضع النقدي. إذاً يمكننا الجزم أن دخول دولارات المغتربين الى السوق اللبناني أمر ضروري لضبط سعر الصرف، ولكن من دون وجود أي خطة نقدية واضحة وجدية لتوظيف هذه التدفقات، ستخسر مفعولها بعد فترة زمنية قصيرة.