Advertise here

بين تعديل الدستور وتعديل التعديل... تونس أمام لحظة سياسية مصيرية

10 تموز 2022 18:08:03

يقول الرئيس التونسي قيس سعيد: أن دستور العام 2014 أدى الى الفوضى والى الإنهيار الاقتصادي في البلاد، والتعديل المطروح من قبله على الإستفتاء الشعبي في 25 تموز، هدفه وقف الإنهيار والحفاظ على الدولة، وإقفال كل المخارج التي استفادت منها بعض الحركات والأحزاب والنافذين لتحقيق مآرب فئوية او شخصية، ولفرض وصاية "أخوانية" على الشعب، تبيح لهؤلاء تجاوز القوانين والأصول، وتمنع عمليات الإصلاح وتوقِف الملاحقات القضائية بحق المرتكبين.

ومن المؤكد أن سعيد يغمز من قناة حركة النهضة (الاخوان المسلمين) التي يرأسها رئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي، وهو المناويء الأول له، وكان لحركته الباع الطولى في التعديلات التي أدخلت على دستور العام 2014، وقد استفادت حركة النهضة من الأجواء الإعتراضية التي فرضهتا ثورة الياسمين التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. والرئيس سعيد يحكم بمفرده منذ أكثر من عام، بعد أن حلَّ البرلمان وأقال الحكومة، وأوقف 57 قاضياً عن عملهم، بسبب تغطيتهم للإرتكابات المالية ولبعض جرائم الإغتيال السياسي، وأهمها التي استهدفت زعيم المعارضة العلمانية شكري بلعيد في العام 2013.

يبدو الرئيس سعيد واثقاً من دعم الشعب التونسي لخطواته الإصلاحية الواسعة، وهو نشر نص الدستور الجديد في"رائد الجمهورية" أي الجريدة الرسمية، على غير ما تبنته لجنة الصياغة التي يرأسها المرجع الدستوري الصادق بلعيد، وقد تعرّض النص المنشور الى انتقادات واسعة، لأنه يحمل مؤشرات على عودة النظام الرئاسي المتشدد الذي كان يعتمده الرئيس زين العابدين بن علي، وفقاً لما تقوله حركة النهضة والحزب الدستوري الحر وحزب العمال اليساري، وقد أعتبر هؤلاء أن الدستور الجديد المقترح سيفضي الى فرض ديكتاتورية رئاسية، وسيطيح بكل إنجازات الثورة.

من المؤكد أن طرح التعديل الدستوري مغامرة صعبه يخوضها الرئيس سعيد، ولا يبدو أن الخطوة تلقى ترحيباً من الكتل النيابية القائمة، ولا من غالبين الأحزاب، حتى أن الإتحاد العام للشغل الذي يتمتع بشعبية واسعة في تونس؛ ترك الخيار لأعضائه بالتصويت بنعم او بلا للدستور الجديد، دون أن يأخذ موقفاً مؤيداً، وكان الإتحاد في صدد معارضة الدستور الجديد، لولا الوساطة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد بتون في 4 تموز، وجمع فيها سعيد ورئيس الإتحاد نور الدين الطبوبي على هامش احتفالات العيد 60 للإستقلال في الجزائر العاصمة. علماً أن الإتحاد العام للشغل كان مسانداً للرئيس سعيد في الانتخابات الرئاسية عام 2019، وأسفرت عن فوزه بحصوله على ما يزيد عن 72% من الأصوات.

إذا فشل الرئيس سعيد في الحصول على أغلبية مؤيدة للدستور الجديد، سيكون الأمر بمثابة ضربة قاسية له، وقد تقضي على مستقبله السياسي، وستكبَّل يداه فيما تبقى من ولايته التي تنتهي في العام 2024. وإذا انتصر في الإستفتاء، سيدخل مؤيدوه بإرتياح الى الانتخابات البرلمانية المبكرة التي دعا اليها في كانون الأول القادم، كما أنه سيفرض نفسه لاعباً قوياً ومن دون منازع على الساحة التونسية، وسيتمكن من تحقيق كافة الإصلاحات التي يدعوا اليها، استناداً الى صلاحيات كبيرة للرئيس تضمنها الدستور الجديد.

إضطر الرئيس سعيد الى إدخال تعديلات على التعديل المنشور في الجريدة الرسمية، بعد الضجة التي أثيرت في وجهه من أوساط واسعة النفوذ في الداخل والخارج. ولكن التعديلات الجديدة التي أدخلها شملت توضيحات حول ضمان حق التنوع السياسي والديني في إطار نظام يعتمد على الحريات والديمقراطية، وذلك استجابة لطلب منظمات دولية متخصصة في الدفاع عن حقوق الإنسان، لأنها رأت في إشارة الدستور الى احترام الأبعاد الإنسانية للدين الإسلامي، ثغرة يمكن أن تُستغل لتقويض حرية غير المنتمين الى هذه الديانة. لكن البارز أن التعديل على التعديل الذي أعاد سعيد نشره في 8 تموز؛ لم يتناول أي تقليص لصلاحيات رئيس الجمهورية على الإطلاق، وهو أعاد التأكيد على دور البرلمان في سنّ التشريعات، وحصر سلطته على الحكومة بقدرته على اسقاطها بطلب من ثلثي أعضائه. والدستور الجديد ينص على أن رئيس الجمهورية هو الذي يسمي رئيس الحكومة ويعين الوزراء بناءً على إقتراحه وهي لا تحتاج الى الحصول على ثقة البرلمان قبل البدء بممارسه عملها، كما هو عليه الحال في الأنظمة البرلمانية.

والبارز في التعديلات المقترحة؛ انشاء مجلس جديد موزاي للبرلمان يمثل الأقاليم التونسية، وله صلاحيات واسعة في فرض سياسة التنمية المتوازنة، وهو يأخذ من مهام مجلس النواب في بعض القضايا التشريعية ذات الطابع الجهوي.

معركة سياسية من الطراز الرفيع يخوضها الرئيس قيس سعيد في تونس. وهي ستغير وجه تونس بالكامل في حال نجاحها، كما أنها ستغير الخارطة السياسية القائمة حالياً في حال فشلها، ذلك أن الملاحقات التي شرع بتنفيذها القضاء التونسي بعض الخضَّة الأخيرة التي تعرض لها من قبل الرئيس، ستصبح أمام خطر التوقف، لا سيما منها موضوع تجميد أرصدة 10 من كبار المسؤولين، ومن بينهم راشد الغنوشي ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي.

لحظة سياسية مصيرية تنتظرها تونس في 25 تموز. على أمل أن تساعد في خلاص التونسيين من الكبوة المالية والمعيشية التي وقعوا فيها.

(*) ونُشر تزامناً مع جريدة "النهار".