أن يحذّر موفد الإتحاد الأوروبي من إحتمال إقدام الإحتلال الإسرائيلي على عمليّة طرد جماعي للفلسطينيين من منطقة "مسافر يطا" في الضفة الغربيّة (محافظة الخليل) بعد خسارة قضيّة قانونيّة رُفعت أمام المحكمة الإسرائيليّة العليا، واصفاً ذلك بأنه قد يكون بمثابة "أكبر عمليّة نقل قسري في عقود"؛ فإن في ذلك ما يستحق المتابعة والتحرّك السريع.
ماذا يعني أن يضطر عدد من الفلسطينيين للجوء إلى المحكمة الإسرائيليّة العليا لضمان حقوقهم؟ ومنذ متى كان الخصم والحكم في آن يملك القدرة على أن يصدر أحكاماً عادلة تعطي الجهات المتقاضية حقوقها السياسيّة والإنسانيّة المسلوبة؟ أساساً، القضيّة الفلسطينيّة برمتها، وليس أحد أحياء الضفة الغربيّة أو القدس وحسب، تتمحور حول سلب الأراضي والبيوت والمزارع والممتلكات من أهلها بالقوّة والترهيب والقتل والتدمير ومنحها للمستوطنين الإسرائيليين الذين تصبح لهم الأفضليّة في السكن حتى ولو أتوا من أصقاع الأرض!.
أيجوز أن تصبح فلسطين القضيّة العربيّة المنسيّة وهي التي صُنّفت بأنها أطول صراع من نوعه لم يجد حلاً جذريّاً لمشكلاته المتفاقمة؟ أيجوز أن تأخذ التطورات الدوليّة والعربيّة الإهتمام من فلسطين وتجعل مأساة أهلها المستمرة منذ عقود في قعر الإهتمامات؟ ثم، أيجوز فعلاً أن يستمر الإنقسام الداخلي الفلسطيني المدمر للقضيّة وأن يستمر التلهي عن مواجهة العدو الحقيقي المتمثل في الاحتلال؟ هل فعلاً تستحق تلك القوى السياسيّة مواصلة قيادة نضال الشعب الفلسطيني نحو التحرّر؟
ليست قضيّة فلسطين قضيّة عقاريّة مثل الخلاف الذي يقع بين طرفين على مساحة أرض زراعيّة في قرية نائية أو في ريف مهمل. وليست قضيّة فلسطين قضيّة أمنيّة تُختصر عناوينها الوطنيّة والسياسيّة إلى معالجة مشكلة المعابر والحواجز الأمنيّة والأزمة المزمنة التي تفتعلها إسرائيل في جعل حريّة التنقل والإنتقال للأفراد والبضائع بين مختلف أجزاء فلسطين التاريخيّة بمثابة حلم مستحيل.
القضيّة الفلسطينيّة أعمق من ذلك بكثير. إنها قضيّة أخلاقيّة قبل كل شيء. أن يقبل المجتمع الدولي والعربي فكرة قيام إسرائيل على أرض فلسطين هو بحد ذاته مثال صارخ على قذارة السياسات الدوليّة والمصالح المتقاطعة. وأن يقبل هذا المجتمع إياه فكرة التخلي عن الحقوق الوطنيّة الفلسطينيّة ويُسقط حتى حل الدولتين، فهو مثال آخر على القذارة السياسيّة.
أي دولة من الدول حول العالم كان من الممكن أن تقبل أن تأتي مجموعة من خارج الأرض وتحتلها وتطرد سكانها الأصليين من بيوتهم وأرزاقهم وأن تمارس كل أشكال إرهاب الدولة لتثبيت الوضع السياسي والميداني الشاذ وتكريسه كأمر واقع يصعب تغييره؟
مهما تدهورت الأوضاع الميدانيّة على الأرض من خلال التوسع الاستيطاني الوقح المتواصل منذ سنوات، ومن خلال الجهود الإسرائيليّة المستمرة من دون إنقطاع لتهويد القدس وطمس معالمها المدينيّة والإجتماعيّة والأثريّة؛ لا بد في نهاية المطاف من أن تتحقق العدالة ولو بعد زمن طويل.