البلدان المتحضرة نظاماً وأداءً

08 تموز 2022 07:59:49

الدولة ذات سيادة تامة وناجزة وفق القانون الدولي Sovereign State، هي كيان سياسي، تحكمها حكومة مركزية لها السيادة المطلقة على كل مناطقها المحدّدة بموجب دستورها المعترف به دوليًا. كما يُعرِّف القانون الدولي الدولة ذات السيادة بأنّها كيان معنوي سيّد نفسه، يتكوّن من سُكان آمنين دائمين لهم هيكليتهم التاريخية والمعنوية، ولهذه الدولة حدود جغرافية معروفة وحكومة واحدة تسيطر على كل ترابها الوطني، كما لها علاقات ديبلوماسية مع غيرها من دول العالم، وهي من حيث المبدأ عضو في منظمة الأمم المتحدة، كما هي عضو في هيئات سياسية دولية أو إقليمية .

 

وفق علم السياسة، السيادة هي الحق الكامل للهيئة الحاكمة وسلطتها على نفسها، بواسطة قوانينها التي يُشرف على تطبيقها جهازها الإداري والأمني، دون أي تدخّل من جهات أو دول خارجية. كما ترد في علم السياسة نظرية، أنّ السيادة مصطلح أساسي يعيّن السلطة العليا على بعض الكيانات السياسية، كما يُشدّد القانون الدولي على أنّ لمفهوم السيادة الممارسة المطلقة لأجهزة الدولة على كل ترابها.

 

سيادة الدولة أحد أهم المصطلحات القانونية، وتعود أهميتها في القانون الدولي العام إلى ارتباطها الوثيق بمفهوم الدولة، حيث لا بُدّ أن يكون لها نظام قانوني شرعي دستوري يتولّى إدارة الدولة أو سيادتها الداخلية والخارجية، والتي ترتبط إرتباطًا وثيقًا بواقع المجتمع الدولي. فكلما ازداد هذا المجتمع تنظيمًا وترتيبًا نال ذلك من سيادة الدولة التي يتكوّن منها هذا المجتمع. على مستوى التعليم الأكاديمي يُعلِّمْ أهل الاختصاص في القانون الدولي العام، أنّه مجموعة من الأنظمة والمبادئ التي تلتزم بها الدول المتحضّرة أي المتمدّنة، والتي تحترم قوانينها ورعاياها وسيادتها على كل ترابها، وتُحافظ على مؤسساتها المدنية والعسكرية من أي عيب. ولا حاجة للتذكير، أنّ عبارة «متحضّرة» وردتْ في الفقرة/ج/ من المادة /38/ من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية والتي تنص: «وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي تُرفع إليها وفقًا لأحكام القانون الدولي، وهي تطبّق في هذا الشأن /ج/ مبادئ القانون العامة التي أقرّتها الأمم المتمّدنة».

 

علميًا تُعّدْ الدولة السيّدة على نفسها الركيزة الأساسية للقانون الدولي ومحور اهتمامه. فمبادئ ومواثيق القانون الدولي قائمة للحفاظ على الدولة السيّدة في إطار سلمي وتعاون دولي مشترك، يضمن رقيّ الإنسان ويوّفر له الحياة الكريمة. وفي هذا الإطار، يعتبر أساتذة العلوم السياسية في الجامعات المحلية والدولية وحتى العربية، انّ تصنيف مفهوم الدول والأمم المتحضرة في القانون الدولي، هو من خلال إحلال معيار احترام الدولة لكينونة وجوهر الدولة السيّدة، وامتثال قيمها ومبادئها من سيادة واستقلال واحترام متبادل وتجنّب هدم الدول أو احتلالها أو تهديد أمنها.

 

الإستناد دائمًا إلى ما يُحصّل من علم، لأنّ كل وعاء يضيق بما فيه إلاّ وعاء العلم والمعرفة، وكل حب صافٍ ذو صدقية وطنية لا يعلو عليه أي حب. للعبرة الصادقة ونتيجة للبحوث الدورية إنّ المجتمع، أي مجتمع، هو أحد أركان الدولة الأساسية، وفي حالة الغياب أو التشتُّتْ ولأي سببٍ كان، لا يمكن كيان الدولة أن يكتمل، ومن المتعارف عليه علميًا وقانونيًا، أنّ المجتمع هو الحاضنة الأولى التي تُخرِّج النظام السياسي وطبيعته. فحين يكون مجتمعًا متحضّرًا هذا يعني قانونيًا ودستوريًا أنّه يُدار بنظام سياسي لا يعتمد الاستبداد في الإدارة السياسية، لأنّ الطبقة السياسية هي إحدى مخرجات المجتمع الراقي. وطالما كان المجتمع متطورًا ومتحضرًا، فإنّ أمور التعددية السياسية الفكرية وأمور تداول السلطة هي سِمة النظام الحاكم.

 

البلدان المتحضرة نظامًا وأداءً هي دول عظيمة تحافظ على سيادتها المطلقة وتحترم رعاياها وتؤمّن لهم كل مستلزمات حياتهم وفقًا لما يرد في شرعة حقوق الإنسان. أما في الدول المتخلّفة، فهي في آخر الركب الحضاري والإنساني. لبنان النظام الحالي غير الديموقراطي، هو الذي استنزف مقدرات شعبه في سبيل ألّا يعلم مواطنه أي شيء عن الحرية أو أنواعًا منها حتى. دولة فاشلة تسوق شعبها ديكتاتوريًا وتنهب رؤوس أمواله وصنعت من السيادة الوطنية مخلوقًا مشوّهًا ...

 

دولة فاشلة تحكمها سياسة الـ «شيزوفرينيا» التي باتت تحكم بإطباق، وهي من أخطر الأعراض التي ستُدّمر الجمهورية بتاريخها وحضارتها وحدودها وهويتها. وبالتالي، هذه السياسة ستقضي على ما تبّقى من حضارة لبنانية، وستبيد جمهورية عاصرت وعايشت البلدان المتحضّرة والتي كانت فاعلة أمميًا وعربيًا. والتاريخ خير شاهد على نبلِ حُكام مرّوا في خدمتها ومن باب الجدارة والامتياز العلمي لُقبّتْ «بيروت أم الشرائع».