Advertise here

لماذا لا تشجع الدولة مزارعي القمح حفاظاً على الأمن الغذائي؟

03 تموز 2022 17:46:03

يواجه مزارعو القمح في لبنان مشكلات عديدة، بدءاً بالرّي بسبب عدم انتظام تساقط الأمطار، ووصولاً إلى أكلاف الحراثة والبذور والأسمدة والمبيدات والحصاد، التي تضاعفت مرات ومرات، فزادت الأعباء على المزارعين، وباتوا عرضة للإفلاس وهجر هذه الزراعة، التي تعتبرها معظم دول العالم نشاطاً استراتيجيّاً لحماية أمنها الغذائي.

فإزاء الضغوط الكثيرة التي يواجهها المزارع، تقف الدولة متفرجة على وضعه المتفاقم سوءاً، ولا تبادر بأيّ خطوة يُمكنها مساعدته على تجاوز هذه الظروف غير المسبوقة؛ وذلك بمدّ يد العون له من أجل أن يستمرّ في عمله حماية للأمن الغذائيّ اللبنانيّ، لا سيّما في هذه الظروف التي يواجهها الأمن الغذائي العالمي.

ففي الموسم الماضي اتّخذ وزير الاقتصاد أمين سلام قراراً قضى بتصدير إنتاج القمح اللبنانيّ القاسي ضمن شروط معيّنة، فلاقى ذلك القرار استحساناً كبيراً لدى المزارعين، لأنّ تلك الخطوة سمحت لهم بإدخال "الفريش دولار" إلى مجتمعاتهم، ممّا حفّزهم على زراعة القمح في هذا العام متحمّلين الأكلاف المرتفعة، بالنظر إلى أنّ عملية تصدير إنتاجهم في العام الماضي أمّنت لهم عوائد مقبولة، وكان من حظّهم هذا العام أيضاً أن ارتفع سعر القمح في الأسواق العالمية مقارنة بالأكلاف التي تكبّدوها، ممّا يُبشّر بمردود مقبول من العملة الصّعبة. 

ولأجل متابعة هذا الموضوع، زار وفد يمثل مزارعي القمح ونقاباتهم، منذ قرابة الأسبوع، وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، وطالبوه بالمباشرة بفتح إذن التصدير، لأنهم ينتظرون بفارغ الصبر موسم الحصاد لتصدير إنتاجهم والحصول على الأموال بالعملة الصعبة. وأوضح لهم الوزير سلام أنّ التوجّه العالمي هو لتحقيق الأمن الغذائي بما يعني منع تصدير إنتاج القمح المحلّيّ في معظم دول العالم. ولكن القمح المنتج محلياً في لبنان يُصنّف كقمح قاسٍ لا يصلح لإنتاج الخبز العربي، وسعره في الأسواق العالمية أغلى من القمح الطريّ الذي نستورده لصناعة الخبز العربيّ، إذ تصل أسعاره إلى 500 دولار أميركي للطنّ الواحد في أرضه، وبالتالي تساهم عملية تصديره إلى الخارج في إدخال العملة الصعبة إلى لبنان، وتُعطي أرباحاً أفضل، خصوصاً في الأزمة الاقتصادية التي يتخبّط فيها لبنان.

وأضاف سلام بأنّه يعمل لتلبية حاجات المزارعين في إدخال "الفريش دولار" مع المحافظة على التوازن الغذائي (الأمن الغذائي)، طارحاً العديد من الأفكار التي وصلته من بعض الشركات التي تستورد القمح اللبناني القاسي، ممّا يعني تأمين وحدات غذائيّة، منها القمح الطري الصالح للخبز العربيّ والطحين... كنوع من التبادل غير المباشر، حيث تقوم الشركات التي تستورد القمح القاسي بدفع أسعار القمح للمزارعين بحسب أسعاره العالمية وبالعملة الصعبة، في مقابل فتحها المجال لتأمين كميات من القمح الطريّ أو أيّ موادّ غذائيّة أخرى من أجل تعويض الكميّات المصدّرة من القمح اللبناني.

وفي الايام القليلة الماضية، عقدت لجنة الأمن الغذائي التي يرأسها الرئيس ميقاتي اجتماعاً، طرح خلاله وزير الاقتصاد وجهة نظره بأن يتمّ تصدير القمح اللبناني القاسيّ، والاستحصال بالمقابل على موادّ تدخل ضمن الأمن الغذائيّ، خصوصاً القمح الطريّ، ومقدّماً اقتراحات أخرى، منها أن تقوم الدولة بشراء القمح القاسي من المزارعين وإبقائه في لبنان، بالإضافة إلى طرح أفكار مبنيّة على تجارب بإمكانية استعمال القمح اللبناني بعد خلطه بنسبة تتراوح ما بين 10 و15 في المئة مع القمح الطري في صناعة الخبز العربي، وأن تقوم الدولة بشراء القمح وتدفع للمزارعين بالعملة اللبنانية. لكن هذا الأمر لم يرض المزارعين لأنهم لا يثقون بأن تدفع الدولة لهم مستحقاتهم، خصوصاً أن تجاربهم السابقة معها لم تكن مشجّعة أبداً، ويرى المزارعون أن الأفضل لهم أن يقوموا بالتصدير من دون تدخّل الدولة، مؤكّدين أنهم سيقومون بتحرّكات في هذا الإطار.

وخلاصة القول: إذا كانت الدولة تريد فعلاً حماية المزارعين للحفاظ على الأمن الغذائي، فعليها أن تبادر فعلاً لمساعدتهم وتقديم ما يُريحهم ليستمرّوا في زراعتهم الغذائية الأساسية، وليتجاوزا هذه المرحلة، خصوصاً أنّ السّماح لهم بتصدير إنتاجهم لا يرتّب على الدولة أيّة أعباء بل العكس من ذلك، فعملية التصدير تدرّ أرباحاً للمزارعين، ومقابل ذلك تمكّننا من الحصول على كميات من القمح الطريّ الصالح لصناعة الخبز العربيّ.

(*) د. طوني وهبة