التغيير المنشود.. سؤال برسم الاحزاب والحراك

01 تموز 2022 11:18:55 - آخر تحديث: 01 تموز 2022 12:30:40

 

يُثبت الواقع السياسي اللبناني يومياً وجوب تغيير حقيقي يطال بنية النظام السياسي الطائفي باعتباره الراعي الفعلي للعملية السياسية بكل تجلياتها، خصوصاً وأن المتغيرات الحقيقية التي أصابت البنى الاجتماعية كما الحزبية اللبنانية على حد سواء شكّلت موقفاً إعتراضياً صامتاً عند البعض في بيئة الأحزاب، لكنه متأهب للوثوب الى ضفة أخرى في لحظة ما، وصريحاً في مكان آخر عند بيئة "الحراك المدني" عبر عن نفسه بوضوح، وهذا ما جعل الأحزاب والقوى "التغييرية" في آن واحد أمام تحدٍ حقيقي في كيفية التعامل مع الواقع المستجد.

 الأسئلة كبيرة والقلق أكبر، إلا أن سؤالين أساسيين يُطرحان بقوة وهما:

أولاً: ما هو التغيير المطروح من قبل قوى "التغيير"؟ ليس هناك حتى الآن وضوحاً كافياً أو تعريفاً وافيا لمفهوم التغيير الذي يطرحونه. هل هو تغيير جذري للنظام السياسي أم تغيير أداء سياسي تحت سقف النظام القائم؟ الإجابة تحتاج لتحديد واضح وإلا سنكون أمام "فقاعات" سياسية يستطيع النظام إستيعابها وتحجيمها بسهولة وهو ما برزت بعض مؤشراته ولو المحدودة في محطات أخيرة، وفي آداء بعض "التغييريين".

أما السؤال الثاني فهو كيف ستواجه الأحزاب تحدي التغيير وقوى التغيير معاً؟

لا شك أن التحدي كبير أيضاً أمام الأحزاب "التقليدية" في قراءة المتغيرات والتعامل معها وقد أصابتها بالمباشر. وهذا واقع لا يجوز الهروب منه تحت شعار الفوز أو الانتصار لهذا الحزب أو ذاك، فصراع البقاء أصبح مرادفاً لفهم هذه المتغيرات والإعتراف بها ومواجهتها بواقعية.

وهذا ما يتطلب خروج الأحزاب من كونها جزءاً من الواقع القائم وإدارته بالآليات التقليدية العقيمة التي تكرسه من جهة وتجعله عبئاً عليها من جهة ثانية.

لا شك بأن الإنتقال إلى هذه الحالة شرطه الأول هو التغيير الحقيقي داخل الأحزاب، ليس على مستوى الأشخاص الذين يبقى على أهميته عنواناً شكلياً للتغيير والتجديد، بل من خلال:

أولاً: الوضوح الفكري والسياسي تجاه مختلف القضايا والإعلان عنها بكل شفافية.

ثانياً: مصداقية الأداء السياسي الفعلي مع الشعار المرفوع.

ثالثاً: تحويل البنى التنظيمية إلى أطر تفاعل وحوار وإنتاج فكري بدل الهرمية السلطوية التي مرّ عليها الزمن.

وهذا، بلا ريب سيشكل إستحقاقاً دائماً حتى لقوى "التغيير" التي أتت على صهوة هذه التوجهات والشعارات. فمدى قدرتها على إثبات مصداقيتها هو امتحان يومي كونها ستكون تحت المجهر بقدر الأحزاب وأكثر.

وعلى هذا فإن السباق مستمر  وستتفاقم حدته أمام الأحداث والمستجدات على كافة الصعد، وإذا كان شعار قوى "التغيير" قد شكل رافعة المجموعات الجديدة، والولاء التقليدي شكّل قاعدة متينة للأحزاب لتحافظ على نفسها في هذه المرحلة، فهذا لا يعني بأي حال أن عامل "التغيير" حكر على أحد، بل لا زالت تمتلك الأحزاب القدرة على حمل لوائه مهما كانت الظروف، مع ضرورة التنبيه أن التغيير المنشود لا يكون مطلقاً في مجتمع تركيبته معقدة والتغيير الجذري فيه مستحيل.

وإذا كانت مرحلة ما بعد 17 تشرين ينبطق عليها شعار لينين "خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء" بالنسبة إلى الأحزاب وقوى "التغيير" في سياق التفكير الجدي من قبل الجميع لإيجاد المساحة المشتركة لدفع عجلة التطوير والتغيير قدما، فإن التحديات المستقبلية تفرض على كليهما الإقدام "خطوة خطوة إلى الأمام" من خلال عملية تشاركية فعلية محورها الإنسان وبناء الدولة الحقيقية والمؤسسات والقانون والقضاء المستقل وحوكمة الإدارة، اذا ان الغرق بالتفتيش عن جنس الملائكة والرقص على حبال الاتهامات والتعميم واحتكار الحقيقة او انكارها سيضع الجميع على منحدر تنتهي جميعنا في أسفله.

أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي