Advertise here

...وجيش الغاصب المحتل ممنوع من الصرف

24 حزيران 2022 22:51:39

الباخرة "إنرجيان باور" في كاريش، وتستعد للحفر أو باشرت به. هذا برسم (الإنذار)، ثم الصمت الذي تلاه!

 والسؤال، إذا كان الخط 29 لبنانياً، وإذا كان السلاح، بحسب المعلن، هو "لحماية ثروة لبنان"، فلماذا لا يذهب لبنان إلى فرض التفاوض وبيده ورقة السلاح مسبقاً، وذلك قبل قدوم الباخرة "إنرجيان باور"، أو حتى بعد قدومها؟  وبهذه الحالة سيأتي هوكشتاين من تلقاء نفسه، بدل أن يستدعيه لبنان على وقع قدوم الباخرة التي أرسلت إسرائيل في طلبها، وفي حركة الواثق بأنّ الطرف الآخر لن يقدم على شيء. 

ترى، هل المعنيين يجهلون هذا التكتيك التفاوضي؟! بالتاكيد لا، إنّما هذا هو دأب الحزب: يفتتح المشهد ويتركه فيما بعد معلقاً. ولكن على ما قالت العرب،  "لأمرٍ ما جدع قصير أنفه"، وهو ترك كل الملفات بلا حل. وكي لايظنّن أحد بأنّنا نتحامل على حزب الله، سنعود بالذاكرة إلى حرب صيف 2006، وسـوف نقف عند وصف السيّد حسن نصرالله لها بأنّها "انتصار تاريخي للبنان والأمة". ولكن النتائج على الأرض لم تكن إطلاقاً بحجم الإنجاز العسكري. وللأمانة، فقد أرهقت هذه  الحرب إسرائيل فعلاً، فصارت من منظورها حرباً عبثية، وهذا ما حداها للطلب من حليفها الأميركي كي يسعى لاستصدار قرارٍ أمَمي بوقفها، فجاء القرار 1701. ولأنّ الحرب شكلٌ من مكاسرة الإرادات، فإنّ هذا الوضع الحرج لإسرائيل كان فرصةً تاريخية كي يضغط لبنان ليسترد "مزارع شبعا وتلال كفر شوبا" التي ما فتىء ينادي حزب الله بتحريرها!! ومنها إلى إغلاق باب ملف ترسيم الحدود المعلّق! فالحروب كأحد أشكال السياسة لا تُخاض إلّا  لتحقيق أهداف سياسية. وعلى هذا الأساس البديهي انطلقت أسئلتنا -البريئة- يومذاك عن دواعي قبول المقاومة بوقف القتال دونما ثمار سياسية ملموسة. لم نتلقَ إجابات مقنعة. يومها اختبأ حزب الله في عباءة الدولة –كحاله الآن- وقابل الأسئلة بأنّه لا يستطيع تجاوز الدولة!! (للمفارقة عاد وتجاوزها بعد عدة أشهر في أيار2007، شاهراً سلاحه!!) 

استطراداً، وفي ذات السياق، غمزوا يومها من قناة الرئيس فؤاد السنيورة ملمّحين إلى أنّه بالغ في تقديم تنازلات خلال لقائه رايس، وزيرة خارجية أميركا آنذاك، والتي ترتّب عليها  استقدام قوات دولية. لكن للحقيقة، وللإنصاف، فقد تحرّك الرجل وفقاً لما بين يديه من ركام الدمار، وورقة قبول المقاومة بوقف المعارك!! فيما الذي يملك قرار الحرب هو من يضع شروط السلم، وعلى هذه القاعدة بنى يومها وليد جنبلاط  سؤاله :"لمن تُهدي هذا النصر يا سيّد حسن.." البعض لم يفهم مقصده، وهو في الواقع كان ينقل هواجسه في أن لا يُستثمر هذا "النصر الإلهي" في مكانه اللبناني تحريراً.  وهنا صدق حدس وليد جنبلاط إذ غدت إيران هي الرابح الحقيقي من تلك المعمعة الحربية، ومنها أوصلت رسالة لأميركا مؤدّاها " يدنا طويلة، وها قد أصبحنا في شرق المتوسط!!" لقد بات واضحاً للّبنانيين بأنّ الحزب يعمل وفقاً للحسابات الإيرانية، ومنها إبقاء لبنان ساحةً  مفتوحة لها، وعليه فهو  غير جادٍ في إقفال الملفات ليبقى "مسمار جحا" عند كل منعطف تُعلّق عليه شمّاعة السلاح بداعي "التحرير".  هذا الشعار  توسّع فيه الحزب تحوطاً، ومدّه نحو "تحرير القدس!" ليبقى المسمار المذكور على الجدار اللبناني، وبالتالي مصادرة الدار  إلى أجلٍ غير مُسمّى. وفيما يبدو تكراراً للعبة بعض الأنظمة العربية التي صادرت حرية شعوبها، مبقيةً "حالة الطوارىء" تحت مقولة، "كل شيء للقضية"، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة!!" ولبنان هذا البلد الصغير،  الكثير بتعقيداته، والخاص بتكوينه، أضعف من أن يتحمّل صراعات إيران وحساباتها الامبراطورية، فكيف إذا جاء هذا على حساب علاقاته العربية، بما فيها من روابط أخوية ومصالح حيوية.

وبالعودة للملف النفطي، وانطلاقاً مما سبق، لا نستبعد أن تظل ورقة السلاح مجرد ورقة توت لا أكثر، ليرمي الحزب التقصير على الدولة بداعي أنّه  قدّم ما عليه والباقي من نصيب المفاوض اللبناني المشكوك أساساً في أهليّته، حتى لا نقول حرصه، وعدم توقيع مرسوم الترسيم الجديد 6433، أمرٌ يطرح الريبة. والخلاصة أنّ ما يجري يمنح إسرائيل الوقت لتثبيت وجودها، اليوم في كاريش وغداً في قانا، فيما لبنان كالجمل "يقتله الظمأ والماء فوق ظهره محمول". حيال هذه المهزلة الحقيرة، ينبغي على القوى السيادية أن تتكتل، عاكسةً ثقلها السياسي الذي ما زال يتبدّد بين التقديرات الخاطئة وبين الأنا المفرطة. ولا سبيل للحيلولة دون هذا الأداء الضبابي، بل وتوزيع الأدوار المكشوف. ونقول المكشوف لأنّ المفاوض هذه المرة هو رئيس الجمهورية، حليف الحزب، أو صنيعته بالأصح! لاسبيل إلّا بكسر هذه الحلقة من القفز البهلواني من حبلٍ إلى آخر، تارةً خط هوف، وتارة خط 23، وتارة أخرى خط 29... وإلى ما يتيح لإسرائيل كسب الوقت، فتباشر باستخراج الغاز فارضةً أمراً واقعاً مثل كل مرة، فيما لبنان ينطبق عليه هذه الأبيات الشعرية لنزار قباني:

إنّ النار تأكلنا،
وما زلنا نجادل بعضنا بعضاً 
...عن المصروف... والممنوع من الصرف...
وجيش الغاصب المحتل ممنوعٌ من الصرف!!

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".