Advertise here

التقدّمي وإلغاء الطائفيّة السياسيّة: الأهداف والتوقيت

17 حزيران 2022 08:51:10

 

كان مشروع القانون الذي تقدّم به رئيس "كتلة اللقاء الديموقراطيّ" النائب تيمور جنبلاط لإنشاء "الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية"، أن أعاد هذا العنوان إلى واجهة التداول على مشارف انطلاقة المجلس النيابي المنتخب. ويقرأ "الحزب التقدميّ الاشتراكيّ" في هذه خطوة محطّة أساسية على خطّ تحديث النظام السياسي اللبناني وتطبيق الدستور. وينصّ مشروع القانون المقدّم على إنشاء الهيئة الوطنية. ويقوم على تأليف الهيئة من اثني عشر عضواً يرأسها رئيس الجمهورية. ويكون من بين أعضائها كلّ من رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة. ويُنتَخب الأعضاء التسعة المتبقّين من بين شخصيات سياسية وفكرية وقانونية واجتماعية عملت في الشأن العام، ولها مواقف ودراسات في موضوع إلغاء الطائفية السياسية. ويتقدّم مَن يرغب في الانضمام إلى الهيئة بطلب ترشّحه إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، التي تنتخب المرشّحين بأغلبية الثلثين في الدورة الأولى، وبالأكثرية المطلقة في الدورة الثانية. وإذا تساوت الأصوات يعتبر فائزاً الأكبر سنّاً. ويُنتَخب أعضاء الهيئة في مهلة أقصاها شهرين من تاريخ انتهاء مهلة تقديم الطلبات. 

وتنصّ المادة الخامسة من اقتراح القانون على أن تضع الهيئة نظامها الداخلي وآلية عملها فور تشكيلها. وتبدأ العمل على وضع اقتراحات عملية لتنفّذ عبر مراحل زمنية، بما يشمل المقترحات الآيلة إلى إلغاء الطائفية من النصوص الدستورية والتشريعية والنظامية، ووضع قانون موحّد للأحوال الشخصيّة، وتأكيد استقلالية السلطة القضائية والمؤسّسات الرقابية، وتعزيز الحقوق والحريّات العامة، واعتبار قواعد حقوق الإنسان بمثابة قانون واجب التنفيذ. وتتحدّث المادة السادسة عن إشراف الهيئة على تنفيذ خطّة المرحلية الانتقالية بما يحقّق إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واقتراح قانون جديد للانتخابات النيابية خارج القيد الطائفي، واعتماد الكفاية والاختصاص في الوظائف العامة.

أيّ أسباب دفعت النائب جنبلاط إلى تقديم اقتراح القانون في هذا التوقيت تحديداً؟ يشير عضو مجلس قيادة التقدّمي المحامي نشأت الحسنية المواكب لمشروع القانون عبر "النهار" إلى أنّ مشروع إلغاء الطائفية السياسية منبثق من منطلقات الحزب التقدمي وبرنامج "الحركة الوطنية". وفي رأيه، لا يمكن لبنان أن يتحوّل بلداً مستقرّاً وسط نظام طائفي يؤدّي إلى اشتباكات وحروب. ويعتبر أنّه لا يمكن أيضًا أن يتقدّم وسط تركيبة نظام طائفي تضرب الكفايات بدلاً من مواكبة التطوّر العلمي. ويرى أنّ مستقبل لبنان مرتبط بنظام ديموقراطيّ لا يتوافق مع الطائفية، فيما يأتي تشكيل الهيئة الوطنية كركيزة أساسية في إطار بناء الدولة المدنية وإرساء قواعد العدالة الاجتماعية. ويقارن الخطوة مع المطالب التي رفعتها التحركات الشعبية خلال مرحلة انتفاضة 17 تشرين، في ظلّ ميل الشعب اللبناني إلى نظام غير طائفي. وتتمثّل أهمية الخطوة في تحوّلها مشروع قانون بما يجعلها تتطوّر من نظريّة إلى محسوسة. ولا يلغي ذلك أنّ ثمّة صعوبات يستطلعها في ما يخصّ إقرار مشروع القانون في المجلس النيابي. ويتساءل الحسنية: هل هناك من يريد الاستغناء عن الأعراف؟ وتشير المعطيات إلى أنّ "اللقاء الديموقراطي" يسعى إلى التشاور مع النواب التغييريين في سبيل دعم خطوة إقرار الهيئة. ويعوّل على تواصل مرتقب مع النائب أسامة سعد باعتباره يمثّل امتداداً تاريخيّاً للنهج الذي انبثق من الحركة الوطنية مع كمال جنبلاط ومعروف سعد وجورج حاوي والحركة العمالية. وفي سياق آخر، يبدو لسان حال المقرّبين من الرئاسة الثانية داعماً لأيّ مشروع منسجم مع الدولة المدنية، مع الاستعداد لدعم مشروع القانون الذي قدّمه "اللقاء الديموقراطي" بهدف إلغاء الطائفية السياسية. 

إلى ذلك، لا يبدو أنّ التوقيت الذي طُرحَت خلاله الفكرة متلاقياً مع الأولويات التي تطرحها كتل عدّة نيابية. وتشير وجهة نظر النائب أديب عبد المسيح إلى دعم إلغاء الطائفية السياسية، لكن مع التحضير للخطوة أوّلاً من خلال دمج المواطن بمفهوم الدولة المدنية. وفي المقابل، يقرأ عددٌ من النواب أنّ عناوين المرحلة تنطلق من التركيز على الشؤون اقتصادية وخطة التعافي، في وقت يعتبرون أنّ البحث في العناوين الأخرى مسألة مرتبطة بمرحلة لاحقة. ومن جهته، يشير عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب فادي كرم إلى أنّ موضوع إلغاء الطائفية السياسية خارج السياق، باعتبار أنّ المسألة ليست تغيير نظام بل احترام النظام القائم، باعتبار أنّ البلاد أمام أمر واقع قائم على التعامل مع فريق "حزب الله" الذي لا يحترم النظام الحاليّ ولا أيّ فكرة جديدة، لأنّ لديه تصوّره وأفكاره وبرنامجه ونوع النظام الذي يعتقد به. ولا يعتقد بأيّ نظام على مستوى احترام الدستور. وتعبّر وجهة نظر عضو كتلة الكتائب النائب الياس حنكش عن مقاربة منطلقة من التأكيد على أنّ لبنان دولة مدنية. وتتمثل النقطة الأساس في تطبيق الدستور بحذافيره مع الحفاظ على التعددية من منطلق أنّ الاختلاف يمثل نعمة، لا نقمة. ويؤكّد على تأييد عنوان إلغاء الطائفية السياسية من جذورها، انطلاقاً من بناء ركائز وأسس التربية المدنية والمفاهيم التي أنتجتها انتفاضة 17 تشرين. أمّا المقاربة التي تعبّر عنها أجواء منبثقة من نائب رئيسة "التيار الوطني الحر" مي خريش، فتلفت إلى أنّ إلغاء الطائفية السياسية هي النقطة الأخيرة التي يمكن التفكير فيها وتطبيقها. ولا بدّ أوّلاً من الانتقال إلى اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة والعبور الى مجلس شيوخ. ولا تعتبر الطرح منطقيّاً اليوم قبل الدخول في تنفيذ النقاط الأولى. وفي رأيها، يحتاج الوصول إلى هذه المرحلة التوافق على البنود السابقة أولاً.