Advertise here

هزيمة الثقة مرتع كل الهزائم

07 أيار 2019 15:17:00 - آخر تحديث: 10 نيسان 2021 13:46:54

لا ثقة تجمعهم ركيزةً وبنياناً. وفي غياب الثقة تغيب المودة ويزداد الرفض والامتناع، ويغيب معها قبولنا للآخر واحترام خصوصية اختلافه الديني والسياسي والثقافي وحتى الجنسي، ويغيب أيضاً عامل الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي وحتى الاجتماعي. وبهذا الغياب نتحول الى ذئاب جائعة لاهثة تترصدُ اللحظة لتنال من الأضعف بينها، وتُلغي وجوده وحضوره الذي يفترض أنه مُكمل لوجودها لاستكمال مُكونات الوطن. إننا في سباق في ما بيننا، مَن الأسرع والأقدر والأكثر تأثيراً حتى ينقض على الآخر. مَن الأشرس والأكثر عدداً وعدةً وعتاداً وقُدرةً حتى يُجهز على الآخر. من يملك الشهوة يتسعُ نفوذه، ومن يملك الإعلام يعبثُ بالحقائق والأحداث والتجارب ويصنع للرأي العام ما يناسبه، ومن يملك المال يحصلُ على الذمم والمواقف في أسواق الباعة المُشتركة المُكتظة بالبيع والشراء، ومن يملك السلاح يرسم السياسات ويُحدد الأهداف ويشبك التحالفات بحسب رغبته ورؤيته لحاجة مشروعه، ويوزع الشهادات ويصنع الهويات. هويات قاتلة لمن يتباين ويتعارض ويُشاكس، وهويات شرف وأوسمة ونياشين لمن يجعل معركة السلاح معركته وهو يئنُ جوعاً وبؤساً ومرضاً وحاجةً وألماً. ومن يملك السطوة يسطو على الحاضر والماضي معاً ويُدونهما بمحبرةٍ سامةٍ تصلح جسر عبور للموتِ من موتٍ الى آخر.

لا ثقة في ما بين اللبنانيين... لا ثقة بموقع الرئاسة الأولى، ليس لأنها للموارنة، وليس لشخص الرئيس ميشال عون الذي نحترم، بل لأجل الذين عملوا منذ ما قبل الاستقلال على مورنتها بدلاً من لبنَنَتِها. ولا ثقة بما يدور في فلك الرئاسة الثانية، ليس لأجل الرئيس نبيه بري وما يحمله من حكمةٍ ودراية، بل لأجل "شَيعنتها" واستخدامها من البعض كفائض قوة وهيمنة، وهذا ما يجعلُ الثقة بها مُرتبكة ومُرتعشة حتى الاهتزاز. والثقة لا ملامح لها في الرئاسة السنية الثالثة، ليس لسبب يتعلق بآل الحريري وما يتصفون به من قيم وأخلاقٍ وانسانية، بل لأجل الحالة الاقتصادية الصعبة التي يرزحُ تحتها الشعب اللبناني نتيجة سياساتهم الاقتصادية المُتخبطة وغياب الأولويات والإصلاحات في سلوكهم، وقد نتجت من ذلك مديونية شارفت التسعين مليار دولار ستطال أحفاد أحفادنا من بعدنا، وربما أبعد من ذلك. ولا ثقة بالطوائف الصغيرة، فهي غير مؤهلة ولا جديرة باجتياز امتحان القيادة في وطنٍ لطالما رقص على حافة الهاوية ومال دائماً ناحيةَ الانحدارات العميقة القاتلة...

كيف لنا أن نبني وطناً لنا جميعاً ولكل فئاتنا من دون تمييز، ونعبُرُ الى المواطنة الحقيقية المُتساوية، ونجتاز عوائق تجاربنا المريرة السابقة، وثقتنا ببعضنا البعض من هبوط مُتقطع الى هبوط دائم؟ كيف نقبل بالآخر وثقتنا لا تسمح بتجنيس طفلٍ من أمٍّ لبنانية خوفاً على التوازنات الطائفية وبالتالي خوفاً من الآخر؟ كيف يُمكن أن نلتقي في ما يتحسسُ بعضهم بالتقاء خمسة مواطنين من مذاهب مُختلفة لتأسيس شركة برأسمال لا يتجاوز خمسة ملايين ليرة لبنانية فقط، لزوم انطلاقتها ليس أكثر؟ وليس لضمان استمرارية حياة شعب بكامله في وطنٍ يزيد عمره على خمسة آلاف عام مُدونة حتى تاريخه...

هذا ليس رأي كاتب هذه السطور، ولا ناشرها ولا ناقلها، ولا حتى قارئها فحسب.. هذا رأي الغالبية العُظمى من الشعب اللبناني من دون أن يملكوا الصوت والوسيلة والقُدرة للإفصاح عن ذلك.