كان هذا عنوان الكتاب الذي وجدته معروضا بين الكتب، المختصة بالميدان الرقمي والذكاء الاصطناعي وسكان السيليكون فالي، التي كانت تملأ طاولات العرض في مكتبات مونريال عندما زرتها عام 2019. لكن اندلاع ثورة 17 اكتوبر ، جعلني اترك تغيير العالم جانباً. إذ كان علينا محاولة تغيير لبنان.
أعادتني اليه الضجة التي أثيرت مؤخرا حول شراء ايلون ماسك لمنصة تويتر، التي يعتبرها "ساحة agora الرقمية"، حيث تتم مناقشة القضايا الأساسية لمستقبل البشرية، وما أثير من نقاشات حول مفهومه لحرية التعبير. كذلك المخاوف من كيفية ادارته للمنصة مستقبلاً، خصوصاً أن اول ما قام به إلغاء قرار حظر ترامب عن المنصة، فتخوف البعض من تحويل تويتر الى منصة للمحافظين. وهناك من يجده، "يتصرف بتهوّر"، وأنّ "تركيبته التي تجمع بين التحكم المحدود بالانفعالات والثراء الفاحش ليست مناسبة".
فكيف يعرّف المؤلف Vance Ashlee هذا الرجل المتعصب لحرية التعبير، الذي تقدر ثروته بـ260 مليار دولار، والرئيس التنفيذي لشركة تسلا للسيارات الكهربائية، وشركة SpaceX، التي أطلقت سبع رحلات فضائية مأهولة بالبشر قبل العام 2016، في الوقت الذي لم تحتفل فيه بوينغ سوى في نهاية الشهر الفائت بنجاح "ستارلاينر" بمهمتها الفضائية التجريبية فنافست "سبايس أكس" ، بعد فشل المحاولة الأولى عام 2019.
يعرف عنه أنه لا يمكن التنبؤ مطلقاً بقراراته وتفاعلاته؛ فهو مستخدم نشط لـ"تويتر"، لديه 80.5 مليون مشترك، يغرّد يومياً عن شركاته، ولا يتردّد في التغريد ساخراً أو مثيراً الجدل والبلبلة في أسواق المال، وغضب لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية.
ينتمي ماسك، لجهة والدته، الى عائلة من المغامرين الكبار، تتميز بالرغبة بالمغامرة والاكتشاف دفعت الجد الى القيام باعمال مجنونة. ينقل ان الجد كان يعطي لأولاده الانطباع بانهم قادرون على كل شيء. ويبدو انه ورث هذه الصفات بشكل مكثف. فذوقه للاشياء المستحيلة جعلت منه احد الآلهة في السيليكون فالي.
يصفه آشلي فانس بعد عشرات المقابلات، بأنه ليس كما قد نتصور "ذكر (ألفا)" يدخل مستعرضا نفسه ومزهوا. في الحقيقة يدخل دون لفت الانظار ويتحرك بخفة، محنى الرأس قليلا. يسلم باقتضاب ويجلس في مقعده. ويلزمه عدة دقائق كي يشعر بالارتياح. رفض ماسك جميع محاولات اجراء مقابلات معه من قبل ولم يسمح لآشلي فانس بالعمل على سيرة له الا بعد مائتي محاولة. ثم اتصل به ووافقه على تأليف سيرته.
في طفولته اظهر علائم نشاط وحشرية باكرين، مع قدرة على الفهم تفوق الآخرين. لكنه في نفس الوقت كان يمر بفترات من الاستغراق، يبتعد فلا يطاله الكلام، لأنه يشرد مستغرقاً بالتفكير، بحيث شك الاطباء في قدرته على السمع. لكن تبين كما تقول والدته: انه يدخل دماغه، ما يعني أن حالته مرتبطة بمسألة "توصيل الاسلاك" في دماغه اكثر مما تعود الى جهازه السمعي".
كان يلتهم الكتب، حرفياً. لكن طرقه الجافة في الالحاح على تصحيح الآخرين أبعدتهم عنه؛ لأنه كان يعتقد ان الآخرين سيتقبلون برحابة ان نُعلِمُهم بأغلاطهم في التفكير. كان اخرقا في التعامل مع الاطفال الآخرين. ولكنه عاد وتأقلم عندما كبر قليلا في السن.
سأل كاتب سيرته مرة فجأة: هل تعتبرني مجنوناً؟ تطلّب الأمر من الكاتب قضاء الكثير من الوقت قبل ان يتحقق ان ماسك كان يوجه هذا السؤال الى نفسه.
ان أي تحقيق حول ماسك لا بد ان يبدأ من مشروع SpaceX في كاليفورنيا وفي ضاحية لوس انجلوس. يستقبل الزائر صورتان عملاقتان للمريخ: واحدة حمراء باردة وعقيمة والاخرى مغطاة بسجادة خضراء محاطة بالمحيطات. فلقد دُفِّئ الكوكب وتمت تهيأته لاستقبال البشر. ينوي ماسك التوصل الى ذلك، ليتمكن البشر من استعمار الفضاء. هذا هو هدف حياته الصريح. "احب ان اموت قائلا لنفسي ان البشرية امامها مستقبل مشرق”. اذا تمكنّا من اكتشاف طاقة مستدامة لنبدأ بالتحول الى نوع متعدد – الكواكب مع حضارة مستقلة على كوكب آخر، هرباً من السيناريو الأسوأ: انطفاء الوعي الانساني.
لا يمكن تجاهل اعمال ماسك الذي ينجح نجاحا منقطع النظير في كل ما يقوم به. سبايس اكس ارسلت كبسولة امداد لمحطة فضائية دولية وعادت الى الارض سالمة. تسلا للموتورات انتجت سيارة كهربائية ادهشت مصانع ديترويت للسيارات. حمل هذان النجاحان ماسك الى قمم نادرا ما بلغها رجال الاعمال. يمكن فقط لستيف جوبز ان يفخر بنجاحات مماثلة. هو ايضا رئيس سولار سيتي واكبر مساهم فيها، وهي شركة للكهرباء الشمسية، ويبدو انه نجح في تحقيق تقدم كبير وبحركة واحدة في الصناعة الفضائية والسيارات وانتاج الطاقة.
يطلق المؤلف على المنطقة الذي أقيم فيها سبايس إكس "ماسك لاند"، وتبدو منطقة شعبية مهملة وشاحبة لا يمكن تخيل ان تكون مركزاً لأي شيء ملفت. المنازل والمحلات التي تحيط بها ذابلة وتنقصها العناية وقد تجد من يتبول في زاوية. بحيث تسأل هل يمكن ان تكون سبايس إكس في هذه البالوعة؟ مع ذلك تجد مجمعاً مساحته 50.000 الف متر مربع، طلي بتنوعات الابيض. عندما تعبر المدخل ستجد مصنع صواريخ حقيقي، يتواجد فيه مئات الاشخاص. لقد اشترى ابنية بنتها بوينغ لصنع قطع لنموذج 747.
فهم الكاتب منذ اول لقاء له مع ماسك كيفية تفكيره وكيف يعبر عن نفسه. لدى ماسك ثقة بالنفس لكنه لا ينجح دائما بإظهار ذلك. فيبدو خجولا ومربكاً. يتكلم مثل كثير من المهندسين او الفيزيائيين، يتوقف بحثا عن الكلمات وغالبا ما يختبئ خلف تعابير علمية مغلقة دون ان يتأكد من قدرة مستمعه على متابعته او كي يبحث عن تسهيل الحديث. ذلك انه يبحث عن الدقة والفعالية ولا يحب ان يغرق في الثرثرة.
في كل مرة استطاع فيها، كان ينتج انطلاقا من لا شيء محاولا إعادة التفكير بجزء كبير مما هو متعارف عليه. كوّنت SpaceX اسمها كمتعهد قليل التكلفة في الميدان الصناعي، فواجه مجمّع عمالقة الصناعة الحربية وخصوصا لوكهيد مارتن وبوينغ، وبلدانا ايضا، بالدرجة الاولى روسيا والصين. فالصناعة الفضائية تغرق في خليط من المناورات السياسية والتملق والحمائية التي تتحدى قواعد الرأسمالية. تحدى ماسك خصوما من نوع الذين يكسبون معيشتهم من فبركة الاسلحة والبلدان. فسبايس اكس تختبر صواريخ قابلة لاعادة الاستخدام، باستطاعتها حمل اثقال في الفضاء ثم العودة الى مركز اطلاقها بدقة. ان توصل الشركة الى تحسين تقنياتها يحمل ضربة رهيبة لكل منافسيها؛ وسوف تنال على وجه التقريب من بعض كبار الاسماء في صناعة الصواريخ وتجعل من الولايات المتحدة القيادة العالمية لنقل البضائع والمسافرين الى الفضاء.
ماسك يعتقد ان هذا التهديد سيحمل له حشداً من الاعداء المفترسين. يقول" ان لائحة الناس الذين يحبون رؤيتي ميتا تتزايد"، تخشى اسرتي ان يغتالني الروس.
يبدو ان رؤية ماسك تجمع الافضل من بين فورد وروكفلر .
موظفوه في مؤسساته الثلاث يعلمون انهم يحاولون، يوما بعد يوم، تحقيق المستحيل. بعض المستخدمين يكرهونه والبعض الآخر يعبدونه لكنهم يظلون مرتبطين به وامناء تجاهه بشكل غريب. ربما بسبب طاقته وبواعثه. نجح ماسك في خلق ما ينقص الكثيرين في السيليكون فالي: رؤية للعالم ذات مغزى.
في حين يريد مارك زوكربرغ مساعدتك على مشاركة صور اطفالك، ماسك يريد انقاذ البشرية من الاختفاء بسبب حادث صدفوي او أذىً يلحقونه بانفسهم auto-infligee.
بعد اندلاع حرب اوكرانيا قدم لها آلاف معدات لخدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية "ستارلينك"، ليتمكنوا من إيصال صوتهم الى العالم.
ولقد فعلوا.