ربيع سمير قصير المتجدد... وأوان الورد في بيروت
02 حزيران 2022
15:35
Article Content
تعود ذكرى اغتيال الصحافي سمير قصير، ويعود معها أمل قدوم الربيع الحقيقي إلى العالم العربي، ليزهر الورد في بيروت، ومن ثم يطرأ أوانه في دمشق، فهذا كان الحلم.
استُشهد سمير قصير في الثاني من حزيران عام 2005، بعد تفجير سيارته قرب منزله. وكان ضمن أوائل من ركب قافلة شهداء ثورة الأرز إلى جانب شهداء آخرين انضموا إلى "لائحة الشرف" الموازية لتلك التي تشكّلت داخل البرلمان من نواب رفضوا الهيمنة السورية من خلال رفض التمديد لإميل لحود، مرشّح النظام السوري لرئاسة الجمهورية، فكان النضال المشترك من الداخل والخارج لتحقيق الاستقلال الثاني.
استُشهد سمير قصير على درب "الحرية والسيادة والاستقلال"، بعدما أزعج سلطات الوصاية السورية، وأجهزة النظام الأمني السوري – اللبناني، وخصوصاً الأمن العام الذي كان يتبع مباشرةً لقصر المهاجرين في دمشق، وعلى رأسه ضباط معيّنين من خلف الحدود، من خلال قلمه الذي لم يساوم على حدود لبنان وثقافته وهويّته، ورفضه الانصياع إلى السجن الكبير، ومحاولات ضم لبنان إلى سوريا، كحديقة خلفية، أو محافظة ملحقة.
اشتُهر بقلمه الحر والعالي السقف، فكان جريئاً بما كتب، وسمّى الأمور بأسمائها بعيداً عن المراوغة والتعمية. ولعل أشهر كتاباته ذاك المقال الذي حمل عنوان "عسكر على مين"، الذي صدر في 16 آذار من العام 2001 في جريدة "النهار"، وهاجم فيه القوى الأمنية التي كانت تؤتمر من النظام الأمني المشترك، لتخاذلها على وطنها وملاحقتها المواطنين الأحرار، وقمع حرياتهم وحقّهم في التعبير عن آرائهم.
ويُنقل عن طلاب سمير قصير، وهو كان أستاذاً جامعياً في جامعة "القديس يوسف"، ملاحقة الأجهزة الأمنية، وبشكلٍ خاص الأمن العام، له ومضايقته بشكلٍ دائم، ومحاولات إذلاله أمام طلابه عبر إرسال سيارات أمنية مشبوهة إلى أمام مدخل الجامعة بقصد إرهابه. لكن إيمان قصير بأهمية الحرية ووجوب المحافظة عليها منعه من الاستسلام، فاستمر بنضاله حتى وصل إلى أرقى المراحل، الشهادة.
لسمير قصير مسيرة طويلة، ختمها ككاتب في جريدة "النهار"، ومدير لدار نشرها، كما ومدرّس لمادة العلوم السياسية في جامعة "القديس يوسف"، وفي جعبته عدد من الإصدرات، أبرزها "الحرب اللبنانية: من الانقسام الأهلي الى الصراع الإقليمي"، كما أطلق مجلة "لوريان أكسبرس" الفرنكوفونية الشهرية، وأسّس دار "الليالي".
لم يقتصر دوره على العمل الصحافي فحسب، بل تعدّاه إلى العمل السياسي، وانخرط في التنظيمات، كما والتحرّكات، فشارك في تأسيس "حركة اليسار الديموقراطي"، وانتُخب في مؤتمرها التأسيسي في تشرين الأول 2004 عضواً في المكتب التنفيذي، كما كان عنصراً أساسياً في انتفاضة الأرز بُعيد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وكان له الفضل في تسميتها "انتفاضة الاستقلال"، وذلك انطلاقاً من الانتفاضة الفلسطينية في وجه الاحتلال الإسرائيلي عام 1987.
تأتي الذكرى كل عام لتؤكّد مجدداً أنّ الربيع الذي أراده سمير قصير سيطلّ مهما كابدنا من صعاب. فكل ما نعيشه في وطننا يحفّزنا أكثر لتحقيق حلم سمير قصير الذي لا ينفصل عن حلم كمال جنبلاط، وحلم كل القادة الأحرار الذين ناضلوا من أجل الحرية والتحرّر من رجس تلك الزمر والطغاة.
سمير قصير في ذكراه كل عام كأنّه بروحه يراقب ما نفعله لربيع ينتظره مثلنا. ينتظر ويراقب بحزن الثورات التي بشّر بها تُختطف كل يوم، وتسرق في كل مساء تحت جنح ظلام الأنانيات وشهوات السلطة.
كم من فرصة أُهدرت، وكم من لحظة دنت وأفلتت منا ونحنُ كشعب نتلهى بتفاصيل وشعارات. وكم من محاولات أضعناها ونحن نبحث عمن يصلح من بيننا لمجلس قيادة الثورة، أو عمّن تليق النياشين على صدره، ثم نملأ الشاشات صريخاً وننام لنحلم من جديد.
في ذكراه، ترانا نسمع صوت سمير قصير يهمس في أذن كل منا، يدلّنا على الطريق الذي يوصل إلى الربيع الذي كتب عنه وله. فربيع سمير قصير لا يكون بثورات لا تؤمن قبل كل شيء بالحرية والسيادة والاستقلال.
إعلان