Advertise here

المغرب والجزائر.. لعلها بداية

02 حزيران 2022 07:37:18

نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في إقناع الدولتين الشقيقتين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية في الاشتراك بالمناورات البحرية «فينكس إكسبرس» التي جرت قبالة السواحل التونسية في 23 أيار/ مايو، واستمرَّت أسبوعاً كاملاً. وقد اشتركت في هذه المناورات قوات من 14 دولة من المغرب العربي وأوروبا، إضافة إلى الوحدات الأمريكية، وتهدف التدريبات إلى التنسيق في مكافحة تهريب البشر والسلاح والمخدرات ومقارعة الإرهاب.
 مشاركة القوات الجزائرية والمغربية في المناورات محدودة، لكنها تحمل رمزية كبيرة، نظراً لوضعية العلاقات المتأزمة بين الدولتين الجارتين، والتي وصلت إلى حد القطيعة منذ ما يقارب العام. ومجرَّد موافقة الطرفين على التعاون في عمل أمني مشترك؛ يعني بطبيعة الحال وجود نوايا تصالحية لدى قيادة الدولتين، ما يُهيئ الأجواء للشروع في تواصل ينهي حال القطيعة، ويؤسس لأجواء جديدة تفيد في تأكيد انعقاد القمة العربية القادمة بالجزائر في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، بعد أن كانت القطيعة بين الدولتين سبباً رئيسياً في تأجيلها.

 شعبا المملكة المغربية والجزائر متشابهان قومياً ودينياً إلى حدود كبيرة، وما يربط بينهما من وشائج القربى والعادات؛ كثيرة جداً، وقد عانى الشعبان ويلات الاستعمار لفترة طويلة من الزمن، وبقيت مخلفات القوى الغازية تقضُّ مضاجع الشعبين الى زمنٍ طويل، وكما أورث الاستعمار الإسباني للمغرب مشكلات وازنة في الجنوب وفي الشمال، لا سيما في سبته ومليلة فإن الاحتلال الفرنسي للجزائر كاد يمحو كل معالم البلاد العربية والحضارية، وقد أورثها مشكلات قبلية في الجنوب وفي الغرب، لم تنتهِ فصولها حتى اليوم.

تم تنظيم الخلاف بين الجارتين الكبريين لفترة طويلة من الزمن، وقد أسهم تأسيس اتحاد دول المغرب العربي عام 1989 في مراكش في إرساء تعاون اقتصادي كبير بينهما، قبل أن تطيح العواصف السياسية التي حصلت في أكثر من دولة هذا الاتحاد. 
 قطع العلاقات بين البلدين الشقيقين في آب/ أغسطس 2021 أعاد أجواء التشنج، وذكَّر بالنزاع العسكري الذي حصل في عام 1963. وكان للتوتر انعكاسات سلبية على الدولتين، وأضر باقتصادهما المتداخل، وقد دخلت القوى الأوروبية على خط تأزيم الوضع، خصوصاً عندما قطعت الجزائر إمدادات الغاز التي تصل إلى إسبانيا والبرتغال عبر الأراضي المغربية.
 ومما لا شك فيه بأن التوتر بين الدولتين الأكبر في المغرب العربي؛ انعكس سلباً على عمل جامعة الدول العربية، وأدى إلى شلل في بعض مجالات العمل العربي المشترك؛ ذلك لما للجزائر وللمغرب من مكانة متقدمة داخل المجموعة العربية، ولما تتمتعان به من نفوذ على المستوى الدولي، خصوصاً في إفريقيا.
 البلدان الشقيقان أمامهما اليوم تحديات كبرى، لم يسبق أن حصلت بمثل هذه الصعوبة، لأن التقديرات الصادرة عن منظمة الغذاء العالمي أشارت إلى أن المملكة المغربية والجزائر من بين أكثر الدول تضرراً من انعكاسات الحرب في أوكرانيا، والتي أدت إلى تقلَّص منسوب الإمدادات الغذائية، كما أن البلدين يعانيان صعوبات في تأمين البدائل عن القمح الروسي والأوكراني، ويعيشان أوضاعاً قاسية في المجال الغذائي، نظراً لتراجع الإنتاج المحلي من جرّاء العوامل المناخية غير الملائمة التي مرَّت على البلدين خلال السنتين الماضيتين.
 وما يفرض تجاوز تعقيدات الخلافات السياسية بين الجارتين؛ الأوضاع الضاغطة عليهما من جرّاء التوتر القائم في ليبيا، وعدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه تونس، وهذه الوضعية تنعكس سلباً على المملكة المغربية، وعلى الجزائر بدرجة أكثر، لأن أي توتر في شمال إفريقيا يطال مصالح البلدين بالصميم، ويؤدي إلى تفاقُم الانكماش الاقتصادي الذي لم يخرج منه البلدان بعد جائحة «كورونا»، والجزائر على وجه التحديد تعاني إخفاقات كبرى في هذا السياق، وزيارة الرئيس تبون الأخيرة إلى إيطاليا لا يبدو أنها نجحت في الحصول على قروض ومساعدات مُلحة، لأن الأوضاع الأوروبية عامة تعاني انعكاسات سلبية ناتجة عن الحرب في أوكرانيا.
 التعاون المغربي – الجزائري ضرورة للشعبين الشقيقين، وحاجة عربية مُلحة.