جورج شامي وراجح الخوري

30 أيار 2022 08:25:52

في السنة الأولى بعد التسعين مات جورج شامي. لا عن صهوة جواد ترجّل ولا فارس سقط. مات فقط. مات المدير السابق لكلية الإعلام والتوثيق (فرع "الشرقية") مديري، والمقيم في الأشرفية، شارع أديب إسحق، في حيّنا، فكان إذاً مديري، وجاري في آن. بعد سفر وترحال بين صحف عربية صادرة في الخليج وأوروبا، عاد موقتاً إلى بيروت. إكتشفت بالجار العائد والمديرالسابق قاصاً وأديباً، إذ نشرت له "دار الجديد" أربعة كتب: "النمل الأسود"، الذي صدرت طبعته الأولى في نهاية الخمسينات و"قديشات ألوهو" و"ذكريات عارية "... وله أيضاً "إنها آخر الحبّات" و"أول الذهب"، وبين "الآخر" و"الأول" أقف على واحدة من محطات العمر لأعترف بدين معنوي. أدين للمدير وللجار وللأديب جورج شامي بأنه صوّب خياري في زمن التشتت. ففي سنتي الجامعية الثالثة، وكنتُ قد اخترت التوثيق اختصاصاً، بعدما فشلت في متابعة "الفلسفة" لضيق الوقت والحال، التقيت أستاذ جورج خارجاً من بيته سيراً، بعدما استقال من إدارة الكلية وخلَفه الدكتور جان شرف، وانتفض بغضب أبوي عندما عرف أنني اخترت التوثيق كاختصاص. قال لي: مكانك في الصِحافة. قلت لم يبقَ من العام الدراسي سوى شهرين. فقال: إتكل علي. أجرى اتصالات بالعميد حسن صعب وأوصى بإعادتي إلى المياه التي سبحت فيها كل هذه الأعوام.

جورج شامي بلثغته المحببة، وتواضعه الجم، وصلابة بنيته والتزامه، غادر عالمنا وحيداً. أو هذا ما ظننته. واستاذ راجح الأنيق، الجنتلمن، الرياضي الأسمر، الجنوبي اكتفى من العمر بالمقدّر له. في الجامعة كان استاذنا يشرح ويشرّح الدعاية الصهيونية، ويعلمنا تصميم الصفحات بأقلام الرصاص والمساطر. ولراجح فضل على أجيال، وكم كان يسرّه اختيار نخبة من الطلاب ليزاملوه في جريدة "العمل" و"الوكالة" ومراقبة أفراخ نسور الصحافة وقد حلّقوا في فضاءات المهنة الجميلة.

في بدايات الحرب كتب راجح الخوري عمود الأولى في "العمل" ووقعه باسم "ب.7" ثم اختار الصحافي "البشيري" الهوى، مجموعة من مقالاته ونشرها في عهد رئيس الجمهورية أمين الجميّل. بعد "العمل" انتقل إلى الحياة في العهد العوني الأوّل، فإلى "النهار" حتى آخر نهاراته.

رافق الأستاذ راجح المدير جورج في السفر الأخير، متأخراً عنه يومين على سطح الأرض، وهناك في العتمة قد يتراءى لهما ظلّ إميل داغر يشذب مقالاً أو يعترض على مقدمة خبر بالكاد تصلح كمؤخرة، غامزاً من قنوات محرري آخر زمن!