Advertise here

“قوى التغيير” وخيارات الرأي العام!

24 أيار 2022 09:03:28

إذا كان منطق التخوين الذي دأب محور الممانعة على استخدامه بكثافة في معظم أدبيّاته السياسيّة على مدى سنوات لا سيّما عند المنعطفات الكبرى هو منطق مرفوض؛ فإنه من باب أولى ألّا يكون مقبولاً اعتماد الأسلوب عينه من قبل القوى الثوريّة التي تسمّي نفسها القوى “التغييريّة”.

فكرة التخوين مرفوضة بالمطلق وقد زاد استهلاكها يميناً ويساراً في الأيّام التي تلت إقفال صناديق الاقتراع وفرز النتائج. قوى الممانعة، التي تعرّضت لانتكاساتٍ ملحوظة في العديد من الدوائر الانتخابيّة، انطلقت فوراً لتحذير الأطراف المعارضة، ولو أنها حاولت لاحقاً امتصاص الغضب الشعبي الذي خلفته تلك المواقف. وقوى التغيير التي لم تتوانَ يوماً عن استخدام ذاك الشعار السطحي “كلهن يعني كلهن” مدعوّة لأن تقلع عن خطاب التخوين وتدينه.

المطلوب من قوى التغيير الذي أصبحت ممثلة في المجلس النيابي بعددٍ من النواب، أن تحترم خيارات الرأي العام اللبناني الذي جدّد ثقته بأحزاب وجهات سياسيّة كان لها دورها النضالي في المسيرة الاستقلاليّة وانتفاضة 14 آذار، وأعاد الاعتبار لحضورها الشعبي بعد أن شُوّه دورها من خلال وضعها في سلة واحدة مع القوى الممانعة التي تصادر القرار السيادي وهي مسؤولة، بأحزابها وتياراتها و”عهدها”، عن وصول البلاد إلى ما وصلت إليه.

وإذا كانت تلك القوى قد بنت حضورها السياسي والشعبي على قاعدة انتقاد “المنظومة” الحاكمة، كما يحلو لها أن تصفها، وعلى قاعدة افتقاد تلك المنظومة للرؤية والبرنامج الكفيل بإنقاذ البلاد من “جهنم” التي وصلت إليها؛ فإن المطلوب منها، قبل سواها، أن تذهب في اتجاه تحديد موقفها من مختلف القضايا المختلف عليها وطنيّاً وهي كثيرة ومتعددة، بدءاً من قضيّة السلاح خارج الدولة، إلى الخطة الدفاعيّة، وترسيم الحدود البحريّة، والثروة النفطيّة، والسياسة الخارجيّة وسواها من الملفات الإشكاليّة المتراكمة من دون حلول أو علاجات.

على عكس ما ازدحمت به شاشات التلفزة من تحليلات ومواقف من كبار المفكرين اللبنانيين الذين غاصوا في القضايا الكونيّة والمحليّة؛ ليس توصيف الوضع الذي كان قائماً بأنه كان عبارة عن منظومة حاكمة دقيقاً. صحيح أن الغالبيّة من الأحزاب “التقليديّة”، إذا صح التعبير، شاركت في السلطة على مدى سنوات، ولكن الصحيح أيضاً أن القرار السياسي والاقتصادي كان مصادراً من قبل قوى الممانعة وهي التي حالت دون تنفيذ أي من الاصلاحات الحقيقيّة المطلوبة من اللبنانيين جميعاً ومن هيئات المجتمع الدولي والجهات المانحة على حدٍ سواء.

هل هي من المسائل التفصيليّة مثلاً أن يُعطّل التيار الوطني الحر خطط الكهرباء المتتالية بعد أن كبّد الخزينة خسائر بقيمة تناهز الأربعين مليار دولار، رابطاً إقرارها بإقامة معمل سلعاتا الذي أثبتت كل الدراسات الهندسيّة والفنيّة أن لا جدوى اقتصاديّة منه؟ الأسوأ من استمرار التيار بالتمسك بهذه الحقيبة دون أن أي إنجاز يُذكر هو أن تذهب بعض القواعد الشعبيّة لانتخاب ثلاثة وزراء سابقين للطاقة في دوائر مختلفة؟ ألا تنقطع الكهرباء عند هؤلاء الناخبين؟

المهم الآن أن تتوّج حقبة إعادة تكوين السلطة في لبنان بانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة قبل نهاية العام الجاري وألا تذهب البلاد إلى فراغ رئاسي طويل يؤدّي إلى شل المؤسسّات الدستوريّة وتعطل آليّات اتخاذ القرارات المطلوبة دون إبطاء أو تأخير في المجال الإقتصادي والإجتماعي؛ ومن ثم أن نذهب لاختيار شخصيّة معتدلة قادرة على إعادة الثقة بلبنان وإدارة الشؤون الوطنيّة بكثير من المسؤوليّة والتعقل والحكمة، أي بعكس “الإدارة” الحاليّة، إذا كان هناك من إدارة!