Advertise here

الجزائر بعد ثلاثة أشهر على الإحتجاجات الشعبية: إلى أين؟

05 أيار 2019 10:22:00 - آخر تحديث: 05 أيار 2019 10:27:50

دخل الحراك الجزائري شهره الثالث، حيث تتجدد كل يوم جمعة التظاهرات الاحتجاجية مطالبة برحيل رموز النظام ومحاربة الفساد، ويحتشد منذ 22 شباط الفائت آلاف الجزائريين في الميادين العامة الشوارع الجزائر العاصمة وفي ساحات وشوارع الولايات والمحافظات كافة، وكل يوم جمعة تتصاعد حركة الاحتجاجات وينظم اليها العديد من القطاعات المهنية والنقابية المختلفة إضافة إلى المحامون والقضاة والمدرسين والطلاب والمهندسين والتجار، عوضاً عن المشاركة الشعبية الفاعلة لا سيما الملتزمة في التجمعات الحزبية والنسوية.

ضغط الشارع الجزائري الذي نجح في منع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الترشح الى عهدة خامسة، ثم دفعه للاستقالة، يقف اليوم أمام منعطف جديد، حيث يرفض المحتجون تلبية دعوة الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح للحوار، لا بل يصرون على رحيل كافة رموز النظام السابق الذي يشكل بن صالح ورئيس حكومة تصريف الاعمال نور الدين بدوي أبرز رموزه، في الوقت الذي يكرر قائد أركان الجيش الجزائري قايد صالح دعمه للمرحلة الانتقالية وضمانه اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الذي حدده الرئيس المؤقت في الرابع من تموز المقبل.
 
الحراك الشعبي المتصاعد الذي رفع شعار مكافحة الفساد، دفع بالقضاء الجزائري الى فتح ومتابعة عدد من الملفات المشبوهة، التي طالت سياسيين ورجال أعمال، ارتبط بعضهم بعلاقة مقربة من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وعائلته، وجمعوا الثروات الكبيرة مستغلين قربهم من الحكم، فتوقيف الرئيس السابق لمنتدى رجال الأعمال علي حدّاد المقرب من عائلة بوتفليقة، في 9 نيسان، أثناء محاولته مغادرة البلاد براً إلى تونس، يندرج في هذا السياق، إضافة إلى توقيف ثلاثة رجال أعمال كبار، هم كريم ونوح طارق ورضا كونيناف وهم أشقاء من عائلة مقربة من بوتفليقة.

وأعاد القضاء الجزائري فتح ملف مجموعة "سوناطراك" للنفط والغاز المملوكة للدولة، بتهم الفساد، حيث استدعي وزير النفط الأسبق شكيب خليل، وزير المالية محمد لوكال ورئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، للتحقيق معهم، دون أن يحدد ما إذا كان الاستدعاء بهدف الاستماع إليهما كشهود أو كمشتبه بهم.

كما استجوب القضاء، المدير العام السابق للأمن الوطني، عبد الغني هامل وابنه، بتهم "تتعلق بأنشطة غير مشروعة واستغلال النفوذ ونهب العقارات واستغلال الوظيفة"، مع الإشارة إلى أن هامل يتمتع بنفوذ كبير في البلاد.

وفيما أثار توقيف يسعد ربراب صاحب أكبر ثروة في البلاد، وهو المدير التنفيذي لمجموعة "سوفيتال"، الشكوك لدى المحتجين حول الأهداف الحقيقية لفتح هذه التحقيقات، خاصة وأن ربراب كانت تربطه علاقته متوترة مع مقر الرئاسة في عهد بوتفليقة، فما دفع مجموعة الأزمات الدولية حملة مكافحة الفساد وسيلة تستخدمها السلطة لمحاولة "تقسيم" الحركة الاحتجاجية، و"تصفية الحسابات الداخلية".

إلا أن الخطوة اللافتة التي تندرج على لائحة نجاحات الاحتجاجات الشعبية، حالة التصدع التي اصابت أحزاب الموالاة التي تحكم الجزائر، حيث خرجت الى العلن ما بات يعرف بـ"التنسيقية الوطنية لتصحيح حزب التجمع الوطني الديمقراطي"، حيث أشاد أعضاؤها بإحالة رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى إلى العدالة، وأكدوا تثمينهم للسلطة القضائية "ومااتخذه من إجراءات في إطار القانون والعدالة النزيهة" وطالبوا أن "يشملالقصاص كل من أجرم في حق الشعب الجزائري وكل من أفسد، أيا كان موقعه من القمة إلى القاعدة".

كما ضربت الخلافات حزب جبهة التحرير الوطني الذي كان يرأسه بوتفليقة، خلال مؤتمره الذي انتخب فيه الأمين العام الجديد للحزب، حيث برزت في صفوفه حركة تغييرية جديدة أطلقت على نفسها "حركة تقويم وتأصيل جبهة التحرير الوطني"، ورفع أعضاؤها شعارات مناوئة لأويحيى واتهموه بالضلوع في "جرائم"النظام التي "ميعت الحياة السياسية" .

يذكر أن حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي كانا الركيزتين الأساسيتين للحكومات المتوالية، على الحكم في الجزائر منذ الاستقلال.

اتجاه أخر بدأ يتبلور في الجزائر ويستفيد منه قائد أركان الجيش قايد صالح، الذي برز كأحد الشخصية الأكثر نفوذاً في البلاد، لا سيما حين وضع نفسه في الكفة المؤيدة للحراك الشعبي، ودعا الرئيس بوتفليقة الى التنحي، داعما موقف المجلس الدستوري، ضامناً للمرحلة الانتقالية، ومؤيدا الخطوات التي اتخذها القضاء في مكافحة الفساد ومحاكمة المفسدين، ويدعوا الجزائريين إلى التحلي بالحيطة والحذر من محاولات اختراق المسيرات السلمية، مستفيدا من كل ذلك لتغطية حركته داخل المؤسسة العسكرية بغية الإمساك بمفاصل وتقاطعات المؤسسة الأكبر والأعرق في البلاد، وتفرعاتها الأمنية، حيث برزت بعض المحاولات للخروج عن السياق العام لدور تلك المؤسسة، لا سيما حين اتهم بعض الشخصيات النافذة دون ان يسميها، "بتشكيل عصابات للعبث بأمن واستقرار البلاد"، قاصدا القائد السابق للاستخبارات المعروف بـ"الجنرال توفيق" المقرب من الفرنسيين.
 
موقف قايد صالح الملتزم بالحلول الدستورية، رغم رسالته الأخيرة التي توجه بها الى الحراك الشعبي أعرب فيها عن تأييده "أي اقتراح بناء يخرج البلاد من أزماته"، بدى وكأنه رسالة ترقب وتمهيد لإعادة تقييم الوضع المستجد في البلاد، وإعادة صياغة الموقف بعد وصول الأزمة الى عنق الزجاجة، إذا أن تمسك الجيش بالحلول الدستورية بات على شفير الصدام بالحراك الشعبي، وهذا ما يخشاه قائد الأركان، الذي يواجه بعض الانتقادات داخل المؤسسة العسكرية، إذ يخشى صالح من اندفاع قوى المعارضة والحراك الشعبي، بمطالبته رفع يده عن رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، في ظل تعثر انطلاق الحوار، واستحالة قيام الحكومة بمهامها، وبالتالي تعثر إجراء الانتخابات في موعدها.

"مصادر سياسية متابعة للحراك الجزائري، رأت في موقف قائد أركان الجيش الأخير تراجعاً، يفتح الباب واسعاً أمام توافقات محتملة بين الجيش والمعارضة والحراك الشعبي حول حل سياسي توافقي، فإعلان صالح "تأييده أي اقتراح بناء يخرج البلاد من أزمته"، وضعه في موقع المحاور بديلا عن السلطة، وإلقاء ثقله في المشهد السياسي، على عكس تصريحاته السابقة التي كان يشدد فيها على عدم تدخّله وتدخل الجيش في الشأن السياسي، كما يعلن في ذلك عدم تمسكه بالرئيس المؤقت ولا برئيس الحكومة.

غير أن محاولة فهم مواقف الجيش من العملية السياسية تستدعي معطيات أخرى، أهمها تخوّف الجيش من فتح الباب واسعاً أمام مرحلة انتقالية طويلة، لا يمكنه تحمّل أعباءها بشكل كامل، مقارنة مع الحل الدستوري الذي يحدد الفترة الانتقالية بـ 90 يوماً، الخلافات والتباين في المواقف بين قوى المعارضة والحراك الشعبي، وافتقادهما لتصوّر سياسي واضح لتسيير المرحلة الانتقالية، العامل الخارجي المؤثر في الجيش وسمعته، حيث لا يرغب أن يظهر على أنه جيشاً انقلابي وغير دستوري.

لكن محللين سياسيين جزائريين يعتقدون أن الصراع في أعلى هرم السلطة، ومواجهة الجيش لتعقيدات الوضع الداخلي هي التي تحكم موقف وقرارات الجيش، وأن قيادة الأركان لا تريد الدفع باستقالة هؤلاء قبل أن تنضج مبادرة واضحة المعالم تكون غير مكلفة كثيراً"، سيما وأن قيادة الأركان تعمل على إضعاف القوى المؤثرة داخل المؤسسة العسكرية خصوصاً رئيس جهاز الاستخبارات السابق، وتقليم أذرعه المالية داخل المؤسسة العسكرية، وأن الوضع الحالي يسمح لها بذلك، فترتيب الأوضاع الداخلية في المؤسسة العسكرية لصالح قائد الأركان يسمح له تقديم مرشح يحظى بقبول شعبي ولا يتعارض مع المؤسسة العسكرية، وحتى الآن لا يوجد مرشح يمكن التعويل عليه في الانتخابات القادمة في توقيتها المعلن، لذلك فإن الوضع الجزائري مستمر في حراكه الشعبي ويترقب مسلسل التوقيفات الى حين اتضاح الصورة الداخلية والخارجية.