عشية الاستحقاق الانتخابي لا بد من توجيه البوصلة أمام المواطن اللبناني عموماً، وأبناء طائفة الموحدين الدروز خصوصاً، بدعوتهم إلى المشاركة الكثيفة في ممارسة حقهم وواجبهم في اختيار ممثليهم إلى الندوة البرلمانية، خصوصاً في ظل الدعوات إلى مقاطعة هذه الانتخابات لأسباب مختلفة.
ثمة من يعتبر أن هذه الانتخابات لن تؤدي إلى تغيير في الواقع المعيشي الصعب الذي يعيشونه نتيجة السياسة التي انتهجها العهد القوي، ومن خلفه "حزب الله"، والذي أوصل البلاد إلى "جهنم"، وبالتالي فإنّ صوته لن يغيّر من هذا الواقع بشيء.
وثمة من يعتبر أنّ التغيير الذي ينشدونه، حتى ولو تحقق عبر إيصال وجوه جديدة إلى المجلس النيابي، لن يساهم في إبطال هيمنة "السلاح غير الشرعي"، وبالتالي سيظل هذا السلاح متحكماً بمسار البلاد ويفرض سطوته وإرادته على مستقبلهم.
وهناك آخرون يأخذون على أحزابهم، أو ممثّليهم، أنهم لم يحققوا لهم مطالبهم سواء بوظيفة من هنا، أو دعم مادي من هناك، فهم لن يشاركوا في التصويت، وإن فعلوا فسوف يقترعون بورقة بيضاء تعبيراً عن امتعاضهم.
لهذه الأسباب أو الكثير غيرها، يجب التأكيد على أنّ قرارهم بالمقاطعة أو الاقتراع بورقة بيضاء إنما هو بمثابة استسلام لهذا الواقع الأليم الذي يعيشونه ونعيشه جميعاً. لكن الواقع مختلف، فهذه الانتخابات مصيرية عن حق، وعلى كل مواطن المشاركة فيها لتغيير هذا الواقع.
لقد أدى وصول هذا العهد "القوي" إلى الانهيار الكبير نتيجة الاتفاق الذى جرى بين ما يسمّى"التيار الوطني الحر" وفريق "حزب الله" في العام 2006، حيث تعهّد التيار بتسليم مقدرات البلد إلى حزب الله مقابل الاستمتاع بمكاسب السلطة الصورية حال وصوله إلى بعبدا، فكانت صفقة مار مخايل، أو صفقة "السلطة مقابل السلاح".
ليس هناك أي تجنٍ في هذا الكلام، فالتاريخ قصير والشواهد كثيرة على ذلك. فمَن يتحكم بالبلاد والعباد اليوم هو "حزب الله"، الذي حاول ولا يزال فرض إرادته على كل اللبنانيين الذين لا يوافقونه الرأي، ويريد جرّهم إلى مسار بعيد كل البعد عن تاريخهم وتراثهم وعمقهم العربي، وإدخالهم في محاور لم تجلب، ولن تجلب، لهم سوى الفقر والعوز والعزلة.
فالسؤال الذي طرحه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، في نهاية تسعينيات القرن الماضي حول مستقبل لبنان: "هانوي أم هونغ كونغ" يبدو واضحاً كل الوضوح اليوم. فإذا استمر مسار البلاد محكوماً بإرادة "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" فإنّنا بكل تأكيد سنكون في هانوي، وسنعاني المزيد من الانهيار والبؤس.
من هنا، فإنّ السبيل للخروج من هانوي وتحويل لبنان إلى هونغ كونغ يتوقف على المشاركة الكثيفة يوم الأحد المقبل في الاقتراع لصالح قوى السيادة والاستقلال، والتي انضوت في لائحة "الشراكة والإرادة"، لأنّها تمثّل الضوء في نهاية النفق المظلم، والتي ستتعاون مع المرشحين الباقين على كافة مساحة الجغرافيا اللبنانية، المؤمنين باستعادة السيادة المسلوبة من الفريق الحاكم لوضع حد لممارسات التسلّط والهيمنة وإيقاظ الأمل الدفين في نفوس اللبنانيين التوّاقين إلى العيش بحرية وكرامة.
إنّ الاعتكاف عن هذه المشاركة بمثابة استسلام أمام الأمر الواقع ما يفسح المجال أمام الفريق الحاكم للاستمرار في سياسته والانحدار أكثر على درجات سلّم جهنم.
والاقتراع بورقة بيضاء يصب في النتيجة نفسها. ولا أخال اللبنانيين تقاعسوا يوماً واستسلموا أمام المصاعب، فتاريخهم يدل على صلابتهم ومواجهتهم أعتى العواصف، وكم من حاكمٍ أو غازٍ مرّ على بلادهم وانكسر وبقي لبنان.
دعوة صادقة للمشاركة في الاقتراع لكي، على الأقل، نساهم في بداية رسم طريق الخروج من هذه الحال التي لا نريد ولا نرغب في أن تستمر.