Advertise here

قبل أن تحاسب بادر

12 أيار 2022 23:33:41

آليت على نفسي أن أردّ، أو أعلّق، على أي تعرّض أو تهجم أو انتقاد طال الحزب التقدمي الإشتراكي مؤخراً، لا سيّما خلال الأشهر القليلة الماضية. وليس المقصود هنا الحملات التي تصدر عن أخصام الحزب التقليديين، فهؤلاء انتقاداتهم متوقعة وأهدافهم معروفة، ومصدر أوامرهم معروف، وأحقادهم كفيلة بالارتداد عليهم فشلاً تلو الفشل وانحداراً تلو الانحدار؛ بل المقصود بعض الكتابات أو التعليقات التي تصدر عن "مستقلّين"، أو "ثائرين"، أو "مجتمع مدني"، أو "منتفضين من ضمن البيئة الداخلية للحزب" ...الخ. تعدّدت الأسماء والمقصود واحد.

والامتناع عن الرد ليس بسبب عدم امتلاك القدرة، أو الحجة، أو الوقائع، أو المنطق الذي يمكّننا من دحض كل ما يساق ضد الحزب من مقولات، وحتماً ليس خوفاً من الرد المقابل كوني كنت قد بادرت لأكثر من مرة إلى دعوة بعض مناصِري "الثورة" (مع التحفظ على التسمية) إلى جلسات حوار ونقاش قوبلت بالتهرّب منها؛ إنّما عدم الرد كان مبنياً على احترام الرأي الآخر، وتقبّل الانتقاد البناء، وفي بعض الحالات لعدم الدخول في سجالات عقيمة، لا سيّما عبر وسائل التواصل الاجتماعي كونها تحوي ما هب ودب. أمّا وقد اقتربت المعركة الانتخابية الحاسمة، فقد أصبح من الضروري وضع الأمور في نصابها الصحيح:

أولاُ، عليكَ أن تدرك أيها الثائر "الحقيقي" أنّك لست خصمي في السياسة، بل إنّك منافسي. وشتّان ما بين الخصومة والمنافسة. فالمنافسة الشريفة حق، حتى ولو اتّحدت الأهداف. وهذا ما أكّد عليه رئيس الحزب، الأستاذ وليد جنبلاط، في العديد من المقابلات والتصريحات التي أجراها، حيث شدّد على وجوب إعطاء فرصة لجيل الشباب من أجل التغيير نحو الأفضل.

واسمح لي بأن أذكّرك بأنّنا تشاركنا الساحات في الأيام الأولى بعد 17 تشرين 2019 ، حيث كان الحزب التقدمي الإشتراكي في كافة ميادين الحراك، أملاً في أن يكون 17 تشرين فرصة جديدة لتصحيح الأخطاء التي ارتُكبت في 14 آذار 2005، وبالتالي لكي يتحول الحراك إلى ثورة فعلية في سبيل بناء الدولة القادرة والحقيقية. إلّا أن سَوقَ الحراك من جهات معينة إلى نظرية رفض الأحزاب كلها دون تفرقة أو تمييز، أدى الى الفشل والتبعثر الحاصل اليوم مما حوّل الحراك إلى مجرد حافلة يستقلها كل انتهازي يسعى الى لقب "سعادة النائب".

ثانياً، وبالنسبة لما يُكتب أو يقال من انتقادات لمسيرة الحزب التقدمي الإشتراكي، لن أعود إلى السنوات الأولى التي تلت تأسيس الحزب في العام 1949، كون تلك الفترة، وبقيادة المعلم الشهيد كمال جنبلاط، تشكّل وساماً ناصعاً على صدر كل لبناني وطني شارك في بناء ونضال الحزب في تلك الحقبة.

 وكذلك لن أعود إلى فترة الحرب الأهلية التي أُرغمنا على خوضها، حيث قام الحزب بالدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات ودافع عن لبنان الدولة العربية. ولا حاجة للتذكير بتاريخ الحزب في مقاومة كلٍ من الاحتلال الإسرائيلي و الاحتلال السوري. كما لن أتطرق لمرحلة 14 آذار 2005، وكيف حمل وليد جنبلاط دمه على كفّه وقاد مسيرة تحرير لبنان من حكم الأسد رغم حملة الاغتيالات التي رافقت تلك المرحلة، وبوجه منظومة 8 آذار التي كانت ترفع صور سفاح دمشق في ساحة رياض الصلح. 

لكن اسمحوا لي أن أذكّر بمواقف رئيس الحزب بعد حرب تموز 2006، وبمواقفه من الحروب التي يخوضها حزب الله في سوريا واليمن والعراق، وموقفه من ترسيم الحدود وضبطها ولا سيّما من مسألة مزارع شبعا وما يحمله هذا الملف من قطب مخفية. واسمحوا لي أن أذكّر بالمواقف المعارضة لممارسات العهد الأسود منذ 2016، أكان على مستوى السياسات الداخلية أو الخارجية، أو على مستوى السياسات الاقتصادية، لا سيّما في مسألة الكهرباء التي استنزفت كافة مقدرات الدولة. 

ولنتذكر سوياً الموقف الداعم لسلسلة الرتب والرواتب، ولكن مع التحذير في حينه بأنّ الأسلوب المقترح لتسديدها سيرهق خزينة الدولة، وهذا من حدث فعلاً؛ وصولاً إلى مسألة الأملاك البحرية وفرض الضريبة التصاعدية، والضريبة على الأوقاف، ومنع الاحتكار. أضف إلى ذلك موقف الحزب من قيام الدولة المدنية، وحقوق المرأة في منح الجنسية، وغيرها من المسائل الاقتصادية، والاجتماعية والبيئية.

 وكيف لنا أن ننسى موقف وليد جنبلاط بعد انفجار المرفأ، حيث طالب بتحقيق دولي بالتوازي مع التحقيق الداخلي. ومن ينكر جهد وليد جنبلاط في صون وحماية مصالحة الجبل التاريخية التي يحاول خفافيش الليل الاعتراف بها. وكم من تضحية قدّمها رئيس الحزب في سبيل عدم قيام أي فتنة أو انقسام داخل الطائفة الدرزية، وعلى صعيد الوطن ككل، وكم من تنازل قدّمه الحزب من أجل الحد الأدنى من الدولة. 

ثالثاً، وفي مسألة المراجعة الذاتية، نحن لسنا حزباً إلهياً، وليس لدينا قادة من سلالة الأنبياء المعصومين، ولا ندّعي المثالية في أدائنا. فمن يعمل يخطئ، ومن يخطئ ليس فوق القانون والمحاسبة، وليس لدينا جزر أمنية، ولسنا فوق النقد أو الانتقاد. وهذا ما ما دعا رئيس الحزب إلى إطلاق ورشة إصلاحية داخلية، ونحن على ثقة تامة بأنّها ستكون خطوة تصحيحية تلاقي العصر، وتحاكي تطلعات الجيل الجديد.

 فقبل أن تطلق سهامك باتجاه الحزب الذي وقف إلى جانب الوطن والمواطن خلال 73 عاماً من الأزمات والحروب والنكبات، وآخرها وقوف الحزب ورئيسه إلى جانب كل مواطن ودون تفرقة منذ بداية الانهيار وحتى هذه اللحظة، أدعوك للمبادرة داخل الحزب وأن تسعى إلى تقديم خبراتك ومهاراتك وعلمك وثقافتك من أجل تطوير الحزب، فالحزب الإشتراكي حزب تقدّمي منذ تأسيسه. فالمحاسبة تكون بالمبادرة وليست بالتخلي والاستسلام، أو الذهاب إلى خيارات عبثية لا فائدة منها.

الحزب التقدمي الإشتراكي كان، وسيبقى، الرائد في الدفاع عن الدولة وهو عباءة الحق والإنسان التي بها نحتمي ومن خلع عباءته وقف عارياً في وجه الرياح العاتية.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".