Advertise here

وليد جنبلاط عصيٌّ على الممانعة

10 أيار 2022 15:45:20 - آخر تحديث: 10 أيار 2022 17:17:56

وليد جنبلاط الأكثر حضوراً هذه الأيام في الصحافة المحسوبة على الممانعة، إذ تعجز كل مقاربات "فرويد"عن  فهم عقدهم النفسية، وتفسير القلق الذي يسكنهم، سواءً قرّر هذا الرجل الصمت أو اختار مناسبةً للتحدث فيها وإعلان موقفه السياسي. 

كشفت رعاية وليد جنبلاط لحفل تخرّج الطلاب في مؤسّسة العرفان التوحيدية، في سهل السمقانية التاريخي - وليس أمام مبنى ثانوية موّلتها الجمهورية الإسلامية، كما تدعي صحافتهم الصفراء - محاطاً بالعمائم التوحيدية ذات البُعد الإسلامي والعربي، وسفراء المملكة العربية السعودية والكويت ومصر، مدى القلق لدى محور الممانعة من عمق الجغرافيا السياسية التي تمثّلها المختارة في مواجهة مشاريعهم، والتي تهدف إلى فصل لبنان عن محيطه العربي، وإلحاقه بالمنظومة التي لا تنتج سوى الفقر والتخلّف والتبعيّة. 

خطابه في هذه المناسبة والذي كشف فيه عن "الاغتيال الجديد" الذي يحضّرونه للمختارة، ردت عليه أقلام الصحافة الصفراء لهذا المحور بلغة الأحقاد، وتشويه الحقائق، وتزوير التاريخ، الأمر الذي يؤكّد صحة ما جاء في كلمته في العرفان، "إنّه محور التدمير والتزوير". جماعة الممانعة لا يفقهون معنى التاريخ، ولا يكترثون لتضحيات أهل الجبل، ويتعمدون في كل مناسبة القفز فوقها، وكأنّ تاريخ لبنان قد بدأ معهم. لقد ذهبوا في تزوير حقائق المواجهة التي قادها كمال جنبلاط منفرداً ضد تقدّم الجيش السوري في صوفر وبحمدون في صيف العام 1976، حفاظاً على سيادة لبنان واستقلاله. وفي هاتين المعركتين السياديّتين قدّم الحزب نخبة من شهدائه، وكان كمال جنبلاط على بُعد أمتارٍ من معركة بحمدون. وللتأكيد على التاريخ وأهميّته في الجبل، قام بإطلاق اسم " كتيبة صوفر" على أول وحدة من وحدات جيش التحرير الشعبي الذي تأسّس في السابع من آب، وذلك  كرمزٍ تاريخي لهذه المواجهة. 

وعند كل استحقاق، الاتهامات المعلبة جاهزة في وجه وليد جنبلاط، ومنها  على سبيل المثال ضرب الحركة الوطنية، إذ وبقدرة قادر  تناسوا علاقة حافظ الأسد بصديقه هنري كيسنجر الذي وفّر الغطاء الإسرائيلي، وصاغ الخطوط الحمراء، وغطّى أهداف التدخل العسكري السوري، وهي: ضرب منظمة التحرير الفلسطينية، ومصادرة قرارها المستقل، وإنهاء مشروع كمال جنبلاط الوطني والديموقراطي. كما تناسوا اغتياله وتداعياته السياسية، وتدخّل أجهزة المخابرات السورية لتفتيت الحركة الوطنية، وسحب الأحزاب الموالية لهم في ذلك الوقت. ولعل المصير الذي آلت إليه الأحزاب التي استجابت لرغبة النظام السوري في تفتيت الحركة الوطنية، والصراعات والانقسامات التي تدور بداخلها، والاحتكام إلى وصاية حزب الله بمباركة النظام السوري في توزيع فتات المقاعد النيابية عليها، تظهر براءة وليد جنبلاط من هذه التهمة. كما تُظهر مَن كان يقف وراء تفتيت الحركة الوطنية، ومَن كان يخاف من أن يأخذ مشروع كمال جنبلاط الديمقراطي طريقه إلى التغيير والخروج من اللعبة الطائفية.  

الممانعة، وصحافتها الصفراء، وكتبتهم من "اليساريين التائهين" بين عُقد الماضي ومتطلبات الطاعة لولاية الفقيه،  ليسوا في الموقع الذي يمكّنهم من تصنيف وليد جنبلاط في موقفه من المقاومة، ولا في إعطاء الدروس للحزب التقدمي الاشتراكي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إذ إنّ تاريخ الحزب ناصعٌ ومجيد، من بنت جبيل إلى الخيام ومرجعيون والعرقوب، ودماء شهدائه في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في هذه المناطق لا تقوى أية مشاريع على محوها من ذاكرة الجنوبيين والوطنيين. 

أمّا انتقال وليد جنبلاط إلى بيروت ليواجه مع أهلها، ومع المقاومة الفلسطينية الحصار والتدمير الوحشي الذي كانت تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي وعملائها، والإعلان عن قيام جبهة المقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي من منزله في بيروت في 16 أيلول من العام 1982، وعمليات المقاومة التي قام بها الحزب في وطى المصيطبة، وقرب مقر مركز منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، وفي الشوف وعاليه والبقاع الغربي، هي الحقائق التي تتصل بتاريخ وليد جنبلاط وموقعه في مشروع المقاومة الوطنية. هي الحقائق والمبادئ التي تستمر في تاريخ المختارة من كمال جنبلاط، إلى وليد جنبلاط، وتيمور جنبلاط. هي الحقائق التي قالها وليد جنبلاط لبشير الجميل عندما التقاه، "لا للوجود العسكري للقوات اللبنانية في الجبل"، ولا لانتخابك رئيساً للجمهورية،  وهي الحقائق التي قالها أيضاً لشمعون بيريز والمختارة تحت الحصار والتهديد الإسرائيلي: إنّ تاريخ الدروز والمختارة هو تاريخ عربي وإسلامي، وإنّكم جيش احتلال في لبنان، والدروز والمختارة يتمسكان أكثر من أي وقت مضى بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته ضمن حدود 1967 وعاصمتها القدس. 

وليد جنبلاط الذي تصنّفونه "باليميني والانعزالي" تعرّض لمحاولة اغتيال في كانون الأول عام 1982 من اليمين وحلفائه الذين كانوا يستعدون للسيطرة على الجبل. وليد جنبلاط يا، "سادة الممانعة"، لم يستثمر في عملاء لحد بعد تحرير الجنوب، كما فعلتم من خلال تغطية المحاكمات الصورية. وانصار ومحازبو الحزب التقدمي الاشتراكي من أهل قضاء حاصبيا ومرجعيون، والذين زارهم وليد جنبلاط بعد التحرير ليثني على مواقفهم الوطنية، استمروا على مناعتهم ومبادئهم، ولم تتمكن آلة الاحتلال الإسرائيلي من تطويعهم وإرهابهم. 

وليد جنبلاط الذي تقولون عنه إنّه "غير مبدئي"، ليس بحاجة لشهادة في قناعته، ومبادئه، وعروبته، وموقفه من القضية الفلسطينية. والدور الذي لعبه في الاشتراكية الدولية، إن في الدفاع عن قضايا العالم العربي، أو في التعاون الذي قام بينه وبين أولف بالم، والرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران، لانضمام منظمة التحرير الفلسطينية إلى الاشتراكية الدولية كعضو مراقب، هي الحقائق التاريخية التي تحكم  على وليد جنبلاط وتاريخه النضالي. 

نعم أيّها السادة. وليد جنبلاط الذي تصنّفونه زوراً في صحافتكم الصفراء أنّه "غربي" هو الذي فتح لكم طريق الجنوب، وهو الذي قاد مع الرئيس بري معركة إسقاط اتفاق 17 أيار. ولا يفيد الاستمرار في المكابرة ونكران هذه الحقيقة، لأنكم تدركون جيّداً السيناريو الذي كان من الممكن أن يذهب إليه لبنان وسوريا والمقاومة لو خسر وليد جنبلاط معركة الجبل. كما تدركون الأهمية الاستراتيجية التي أعطاها الاتحاد السوفياتي آنذاك لمعركة الجبل في إطار الصراع الإقليمي والدولي الذي كان قائماً، فوقف بحزم إلى جانب وليد جنبلاط، وقام بتدريب وتسليح وتجهيز جيش التحرير الشعبي. 

هذه هي حقائق الجغرافيا السياسية التي قام وليد جنبلاط بحمايتها والدفاع عنها في الجبل من أجل لبنان، كل لبنان. هذه هي الجغرافيا السياسية التي تحاولون اليوم اختراقها للقضاء على آخر الآمال في استعادة لبنان لسيادته وقراره الحر. 

نعم أيّها السادة، وليد جنبلاط قال لكم بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري "كفى"، وقاد ثورة الأرز التي أخرجت قوات النظام السوري من لبنان، ويستمر اليوم في مواجهة مشروعكم في إلحاق لبنان بمنظومة الممانعة، إذ كشف لكم كيف تمّ تزوير خرائط منطقة شبعا، ولماذا يمتنع النظام السوري عن الاعتراف بلبنانية مزارع شبعا. كما كشف لكم ماذا يدور في كواليس المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية. نعم هذا هو وليد جنبلاط الذي صمّم على إنشاء نصب لشهداء الحزب تخليداً لذكراهم وتقديراً لتضحياتهم، وإنعاشاً لذاكرة الذين يتناسون أنّ وليد جنبلاط هو الذي فتح طريق الجنوب، وأنّ الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة الشهيد كمال جنبلاط، ورفاقه في الحركة الوطنية، هم مَن أسّسوا لمشروع المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي. فأين كنتم عندما كان كمال جنبلاط يتنقل على محاور الجنوب داعياً الدولة لتعزيز صمود الجنوبيين في وجه الاحتلال؟  

وأخيراً، وليد جنبلاط الذي تصفونه  "بالرأسمالي"، هو الذي فتح الطريق للآلاف من الشابات والشباب من أجل الحصول على شهادة جامعية راقية. ومَن يؤمن بالعلم طريقاً للارتقاء الاجتماعي والاقتصادي لا يخاف التغيير في البيئة الدرزية. ومَن بيته من زجاج لا يرشق الناس بالحجارة، فالعالم بأسره يشاهد ويراقب قمع الحريات والإرهاب الفكري والجسدي الذي يمارَس في بيئة أهل الممانعة والمنظّرين لها، وذلك خوفاً من التغيير القادم. 

وليد جنبلاط صارح أهل الجبل واللبنانين بحقيقة الوضع الاقتصادي قبل بدء الأزمة وخلالها، وهم يدركون كيف دمّر مشروع الممانعة فرص إعادة النهوض الاقتصادي، وقوّض علاقة لبنان بمحيطه العربي، وحطّم كل الآمال بإعادة إحياء البيئة الاستثمارية التي تنتج فرص العمل للشبان والشابات. ويا ليت الممانعة تخجل من اللعب على هذا الوتر . ويا ليتها تخجل أيضاً من الشعب الإيراني الذي ينظم الاحتجاجات على خلفية رفع أسعار الطحين وغيره من المواد الغذائية، فيما تنفق أمواله في لبنان على شراء الذمم، وتشكيل كتلة نيابية هدفها الاستمرار في أخذ لبنان رهينة على مذبح المصالح الاقليمية.

 ليطمئن كتبة الممانعة أنّ أهل الجبل يدركون أنّ الانتخابات في 15 أيار القادم هي استفتاء على موقع لبنان ومصيره، وما يربط المختارة بأهل الجبل يبقى عصياً على محاولاتكم المستمرة في إضعاف المختارة واستهدافها.